محمد سليمان العنقري
تختلف القناعات والاعتقادات بمن يقود الأسواق، سواء المالية أو العقار أو السلع.. وغيرها؛ فهناك من يرى أن الحكومات هي القائد، والبعض يظن أن المستثمرين الاستراتيجيين هم قادة السوق، لكن لا بد من التفريق بين من يقود الأسواق ومن يحركها، وكذلك من يؤثر فيها.
فالاعتقاد الذي يذهب لاعتبار الحكومات هي من تقود الأسواق ينظر إلى ما تملكه من أدوات تمكنها من توجيه الأسواق عبر سياسات نقدية ومالية واقتصادية، وحزم من التشريعات والتنظيم، لكن مثل هذا الاعتقاد يضعف عند النظر إلى مجمل الناتج المحلي، وحجم حركة السيولة، وجذب الاستثمارات بالاقتصاد، وكذلك معدلات البطالة؛ وهو ما يعني أن للحكومات دورًا رئيسيًّا مؤثرًا، لكن ليس بالقائد المطلق؛ فقد لا يشهد الاقتصاد ردة فعل أو تجاوبًا إيجابيًّا سريعًا مع الإجراءات التي تتخذها الحكومات بحيث ترتفع وتيرة النمو وتنشط القطاعات الاقتصادية كافة؛ لأن القطاع الخاص أو المستثمر لم يتفاعل بالشكل المتوقع.
أما الاعتقاد بأن المستثمرين هم قادة الأسواق فهو مبني على أنهم من يملكون قرار استثمار المال الذي يحرك الاتجاه لأي سوق مع ملاحظة أن الصناديق الاستثمارية مشمولة بفئة المستثمرين، وأي مؤسسة مرخصة تدير أموالاً للغير، فتقديرات كبار المستثمرين من صناديق استثمارية - وخصوصًا صناديق التحوط، وكذلك صناديق التقاعد وشركات التأمين، وغيرها من المؤسسات الاستثمارية - هي مَن توجِّه الأسواق فعليًّا؛ ولذلك فدراساتهم وتحليلاتهم للسياسات العامة بأي اقتصاد وما ستنعكس عليه من أثر بكل مفاصل القطاعات تحدد في النهاية قرارهم مع الأخذ بعوامل عديدة، سواء داخل الدول أو على مستوى العالم.. لكن في المقابل يمكن للحكومات أن تتخذ إجراءات بحسب ما تملكه من أدوات تخالف بها توقعاتهم، وتتخذ ما تخدم به المصلحة العامة التي قد تتنافى مع توقعات كبار المستثمرين كما حدث بأسواق النفط منذ شهر ونصف الشهر تقريبًا؛ إذ كانت التوقعات استمرار الارتفاع بأسعار النفط بعد تطبيق العقوبات على النفط الإيراني، لكن ما اتخذ من تدابير من الحكومات، وخصوصًا أمريكا، بالسماح لثماني دول باستمرار استيرادها النفط الإيراني لستة أشهر، عكس اتجاه الأسعار، وأدخل سوق النفط بتصحيح، هبطت به الأسعار من 86 لخام برنت إلى 50 دولارًا حاليًا، لكن في المقابل فإن هذا الكبح والتدخل الرسمي لمنع انفجار فقاعة بأسعار النفط هو تدخل سيبقى أثره مؤقتًا، ولن يغير من الاتجاه الصاعد للنفط بحسب الكثير من التقارير الصادرة عن كبرى المؤسسات المالية العالمية التي لديها صناديق استثمار ضخمة؛ إذ يتوقعون العودة لسعر 70 دولارًا في العام القادم. يصعب تحديد قائد السوق، لكن المعطيات تشير إلى أن الحكومات لا تميل إلى أخذ هذا الدور، إنما التدخل حسب الضرورة، أي إن القيادة هي فعليًّا للمستثمر. فمثلاً كل تصريحات وتحركات الرئيس الأمريكي ترامب الداعمة لاقتصاد بلاده بعد أن دخلت أسواق المال الأمريكية بموجة تصحيح لم تفلح في وقف النزيف؛ لأن المستثمرين قرروا أن يستمروا في التخارج والتوجه لأسواق أخرى، سنعرفها في وقت لاحق بعد أن تبدأ الارتفاعات الكبيرة فيها. فالقيادة في نهاية المطاف في كل الأسواق هي لمن يملكون قرار توجيه الاستثمارات فيها؛ لأنهم يبحثون عن تعظيم ثرواتهم وأحجام صناديقهم.. ولا بد أن يحركوا الأموال باتجاه ما يحقق لهم الربح؛ لذلك لن يغيروا استراتيجيتهم التي تبنى على دراسات وقراءات تصيلية بسهولة إلا في حال وقوع أحداث كبرى غير متوقعة تمامًا، كالحروب مثلاً، ومع ذلك تجد أن لديهم أدوات تحوط وقدرة على امتصاص المفاجآت، والتعامل معها، واقتناص الفرص فيها.