عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي كنّا أمام حدثين، الأول: كان دفع البنوك للزكاة، وهذا إنجاز للحكومة تضعه في مصلحة الضعفاء، والثاني: حققه الضمان الاجتماعي، حيث تم نقل 41 ألف مستفيد إلى (التمكين)، أي العمل، وهذا أيضاً إنجاز للحكومة، فالاهتمام بالأشخاص ذوي الحاجة والعوز وتهيئة الظروف والإمكانات التي تساعدهم على الخروج من دائرة الفقر منجز إيجابي يستحق أن نسعد به، ومن حققوه يقدمون إنجازاً وطنياً يؤكد قدرتنا على النجاح إذا توفرت الإرادة (وحسن الدبرة).
الحكومة في السنوات الماضية ركزت جهودها على هذه الفئة، فبالإضافة إلى دفع المخصصات المالية التي وصلت إلى 30 بليون ريال سنوياً، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بدأت تعمل على مسارات جديدة لتحقيق مبدأ (التنمية والتمكين) للفئات المحتاجة.. وقصص النجاح التي يحققها العاملون في قطاع الضمان الاجتماعي تتوسع الآن، ويقود مشروع النجاح قيادات الوزارة والعاملون في الإرشاد الاجتماعي والنفسي، وكل واحد من هؤلاء لديه (قصة نجاح) لمساعدة الأسر الضمانية في احتياجاتها الإنسانية والاقتصادية.
والشمولية في خدمة الأسر توجه بدأت تعمل عليه الوزارة مؤخراً.. سابقاً يوجه الجهد لتقديم المعونة المالية فقط، أما الاحتياجات الإنسانية الأخرى، من تعليم وعلاج وتوظيف ونقل.. فهذه لم تكن متوفرة. الآن، وكما يقول أحد المسؤولين في الضمان: (نحن في حقبة جديدة، لقد انتهت حقبة خذ المبلغ.. وتوكل على الله، والله يعينك، فالضمان لم يعد بنكاً!). هذا التوجه الذي تعمل عليه الوزارة، هو أقرب إلى المشروع الوطني الذي يستهدف تأسيس نقلة نوعية في شبكات الأمان والحماية الاجتماعية، وهذا أحد مسارات تحقيق مقومات الحياة الكريمة.
هذا المشروع الوطني الذي يتعامل مع أكثر من مليوني مستفيد، يأخذ مسارات جديدة. أبرز ملامح هذا المشروع إصدار لائحة جديدة للضمان الاجتماعي أضافت منافع متعددة، وتتجه لأخذ الحالات تدريجياً إلى حقبة (الاعتماد على النفس) والخروج من غطاء الحماية الدائم الذي يشكل عائقاً نفسياً سلبياً لتحولهم الإيجابي.
ولإحداث نقلة نفسية وفكرية للاعتماد على الذات اتجهت الوزارة إلى توسيع وتعميق وظيفة العاملين في الضمان ليكون دورهم الجديد (التمكين الاجتماعي)، ولتحقيق هذا المسار و(الخروج من التقليدية في تقديم الخدمة)، وضعت الوزارة برامج لتأهيل وتدريب العاملين على متطلبات الحقبة الجديدة.
الجديد في مشروع التمكين هو الاتجاه إلى التعامل مع الحالات عبر مؤشر واحد وهو (انعدام الدخل المادي)، وهذا التوجه إيجابي ويبسط الإجراءات ويأخذ بعداً إنسانياً وعملياً، فلن يعتمد على تحديد الفئة، طلاقاً أو ترملاً أو مرضاً، بل يعتمد على دخل الفرد، فإذا كان الدخل لا يلبي الاحتياجات الأساسية تكون الأحقية في الدعم الذي يستمر حتى يتم تجاوز الظروف الصعبة، وحتى لا يُترك المسجلين بالضمان يواجهون ظروفهم لوحدهم.
التوجه هو أن يتم تمكين الملتحقين بالضمان لكي يعملوا، بالذات من هم في السن القادرة على اكتساب مهارات العمل، ولهذا الغرض يتم تخصيص برامج تأهيل نفسي وفكري لقبول فكرة الاعتماد على الذات، فحالة السكون الذي يقبله الفقراء لأوضاعهم عادة تؤخر لديهم حالة الاعتزاز بالنفس والتطلع إلى الترقي الاجتماعي، فالتنشئة الاجتماعية في البيئات المتواضعة في متطلبات الحياة، تنمي حالة نفسية وفكرية ساكنة وتخاف مواجهة تحديات الحياة، وتحريك حالة السكون هذه تتطلب أولا: المعالجة الفكرية والمهارية.
وحتى يتم تحويل الحالات إلى قبول فكرة العمل، يضمن نظام الضمان للمسجلين فيه حق العودة إلى المنافع حين الإخفاق في الوظيفة، وتقليل حالة المخاطرة وهذه أحد العوامل ساعدت في برنامج التحول الذي نقل 46 ألف شخص، وهو يتجاوز المستهدف لدى الحكومة في العام 2018 وهو 24 ألفاً.
الأمر المهم الذي كنّا نفتقده، وبدأت الوزارة تعمل عليه هو (بناء قاعدة معلومات وطنية) دقيقة، عن الحالات المسجلة في الضمان، تستهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، وهذا سوف يساعد الأجهزة الحكومية للقيام بدورها تجاه هذه الفئة بالذات في الصحة والتعليم والإسكان، وهذا أحد المكتسبات الضرورية للحد من الفقر والوقاية منه على المدى البعيد.
في الضمان الاجتماعي ثمة ألف قصة وقصة لحياة إنسان، فيها مشاهد الدراما المتعددة.. وفيها صور العطاء من إنسان وإنسانة يضع كل منهما قلبه فيما يعمل، خدمة للبسطاء!.