أمل بنت فهد
هل الجديد يحتاج إلى مساحة؟ بمعنى أن يكون الجديد مشروطًا بإهمال القديم، أو إزاحته من مكانه!
نعم، وكذلك لا في الوقت نفسه؛ ففي الأمور المادية، كالأثاث وغيره؛ ليكون للجديد مكان، وفائدة، لا بد أن تخلق له مساحة، أو تحاول أن تمزج بين القديم والجديد، لكن المساحة تعيق، واعتبارات أخرى.
لكن في مشاعر الإنسان وأفكاره لست بحاجة إلى نقد القديم، أو الحط من قدره، أو إثبات عدم فاعليته؛ لأنه عبث ليس أكثر، ولن تصل لنتيجة عدا إثارة فوضى لا داعي لها.
اسمح للجديد بحق التجربة، اسمح له بفرصة تأمل، اسمح له بأن يشرح نفسه، ويقدم ما عنده، وإذا لمس الإنسان منه الفائدة والتأثير فإن الجديد تلقائيًّا يحتل المساحة المزدحمة «بخردة» الماضي، التي لم تعد تقدم شيئًا.
هكذا هي المشاعر المعلقة، والأفكار التي احتلت الأمكنة بقوة الاعتياد، تلك القوة التي تصنع من العدم أسبابًا، وتجعل من التافه مهمًّا، وتضخم المخاوف، وتصنع بالوهم ألف قيد، وتعتقل أي محاولة للخروج منها.
الاعتياد آفة الإنسان التي تأكل عمره؛ فحين تعتاد وجود شخص ما بحياتك تعتقد أن الحياة بدونه مستحيلة، وحين تعتاد عملاً ومهنة فإنك ستؤمن بأنها مصيرك، ولا تملك لتغييرها حيلة أو مهارة، وحين تعتاد بعض السلوك فإنك تفعله وتكرره دون إدراك للتفاصيل، تفعل وتكرر دون إحساس بمتعة، بل دون إحساس البتة، ويمرُّ يومك وساعاتك على الروتين نفسه الذي خلقه الاعتياد.
مع أن كسر العادة ممكن، وتحدي الاعتياد ممكن، لكن سره الأعمق أنه يحدث ويتغلغل فيك دون أن تنتبه لما يسرقه منك.. تمرُّ السنون، وتتغير ملامحك، وعاداتك كما هي لم تتغير؛ لذا يبقى الأشخاص أنفسهم في حياتك دون أن تتذوق معهم لذة الحب وأنس المشاعر، وتبقى بالمهنة نفسها التي تشتكي منها ليل نهار، ومن مرَّ بك اليوم سيجدك ما كنت عليه نفسه بالأمس، وحتى قبل سنة!
هذا الجمود بفعل الاعتياد ليس حياة، بل هو تجميد في منطقة محددة، لن تبرحها، وربما تنتبه بعد حين، لكن هذا الانتباه يكون بعد فَقْد الشهية، شهية الحب، شهية المغامرة، شهية التجربة، شهية التغيير.. باختصار يقظة الرغبات وحواسك نيام.
لذا انتبه من الاعتياد، وخصوصًا حين تكون غير سعيد.. لا تسمح له بأن يحرف مشاعرك، وتذكَّر أن الجديد يحتاج منك إلى إشارة عبور لحياتك؛ ليقلب الموازين، ويُحدث زلزلة في مياهك الراكدة.. وأغلب الركود موت.