فضل بن سعد البوعينين
أصبح المواطنون موعودين بمزيد من الشفافية عن كل ما ارتبط بالإنفاق الحكومي، ومستوى الأداء، وحجم المنجزات المحققة على أرض الواقع. أعادت الحكومة هيكلة آلية تواصلها مع المواطنين بمكوناتهم المختلفة، تحقيقا لمبدأ الشفافية التي أطلقها وشدد عليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي هذا العام جاءت فكرة «ملتقى الميزانية»؛ وهي فكرة رائدة نجحت في تحقيق أهداف التواصل الشفاف.
وبالرغم من أهمية الشفافية، إلا أن المواطن البسيط لا يكترث كثيرا بأرقام الميزانية وحجمها، بقدر ما يركز على مخرجاتها الخدمية وانعكاساتها على حياته وتكاليف المعيشة. أما قطاع المال والأعمال فهمهم الأول رواج تجارتهم وازدهارها؛ في الوقت الذي يركز فيه الوزراء على تحقيق أهداف الحكومة الإستراتيجية وإصلاحاتها الاقتصادية؛ لذا تختلف التوقعات بين شرائح المجتمع، ورجال المال والأعمال والوزراء أنفسهم. فكلٌ ينظر لها من زاوية قد تكون مختلفة عن الطرف الآخر، ما يزيد من صعوبة صنع الرسالة الإعلامية المحققة لرؤية الحكومة الإصلاحية، والمقنعة أيضا للمواطنين وقطاع المال والأعمال. مهمة تشوبها الصعوبة والتعقيد، غير أنها ليست بالمستحيلة على محترفي التواصل الإعلامي.
أعود إلى ملتقى الميزانية بجلساته الأربع، وأطرح سؤالا عن أهم مخرجاته أو القصص الإخبارية التي حظيت بالانتشار والتفاعل الكبير، وهل كان التفاعل معها إيجابا أم سلبا؟. لا يمكن تقديم إجابة قطعية على السؤال في ظل غياب مراكز استطلاعات الرأي، ولكن يمكن القول إن هناك ثلاث مخرجات استحوذت على اهتمام الغالبية، وتمكنت من تهميش الموضوعات الأكثر أهمية وتأثيرا؛ وشملت؛ مقارنة نسبة النمو بالواقع الاقتصادي المعاش، وتعديل أسعار الطاقة، ورسوم الوافدين.
قد يعتقد الوزراء أن من الظلم تجاهل إنجازات الحكومة في العام الماضي، وما سينفذ في العام القادم، وأهمية مرحلة الإنجاز التي تحدث عنها الوزراء ومنهم وزير المالية، وما تحقق لوزارته من إنجازات ملموسة في ضبط المالية العامة وتعزيز الإيرادات غير النفطية والشفافية والتسويات مع القطاع الخاص، والالتزام بالمدفوعات الحكومية في 60 يوما، والتحول الرقمي ومنصة اعتماد الرائدة؛ وما تحقق أيضا لوزارات الإسكان والتجارة والتعليم والنقل والاتصالات.
من حق الحكومة ووزرائها أن يحصلوا على الإشادة بما حققوه، كجزء من التحفيز والإقرار بالإنجاز، غير أن المواطنين أكثر تفاعلا مع قضاياهم الحساسة، وهذا لا يعني أن تتنازل الحكومة عن خططها الإستراتيجية لتلبية الرغبات، ولكن من الأجدى مراجعة بعض الرسائل الإعلامية لتكون أكثر قربا وإقناعا للعامة، وتفهما لخلفياتهم الفكرية، واهتماماتهم؛ ومن واجب الوزراء أن يبدو تعاطفا أكبر مع أي انعكاس سلبي على المواطنين وقطاع الأعمال مع تقديم رؤى المعالجة.
تتطلب مواجهة الجمهور لغة إعلامية خاصة وآلية عمل احترافية تركز على أهداف محددة ورسائل موجهة قادرة على الإقناع وامتصاص الصدمات. عندما يضطر الوزراء إلى تصحيح بعض تصريحاتهم، وتُفقَد قصص إنجازات الحكومة المهمة؛ برغم جودتها؛ في مستنقع الجدل، والتشكيك، أو التجاهل؛ فذلك يعني قصورا في الرسائل الموجهة وضعفا في التواصل الإعلامي، ما يستوجب المراجعة والمعالجة للرسالة الإعلامية ومنظومة التواصل.