رجاء العتيبي
عشنا مع الجنادرية جيلا بأكمله (33) عاما عندما كنا صغارا مع الأسرة في أول زيارة لها، ثم مشاركين في أنشطتها الإعلامية والفنية والتراثية، فلكل منا ذكرى جميلة مع هذا الحدث الذي بات جزءًا من هويتنا وذاكرتنا وتاريخنا، لا نتخيل سنة تمر بدون أن نشم عبق الماضي ونشعر بطيبة الزمن الماضي، وبكل من عاش فيه.
لهذا على الجنادرية أن تبقى (كما هي) دون (تغيير)، لأن تراث الماضي لا يتغير ولا يجب أن يتغير، ليبقى كما هو شاهدًا على عصر مضى نقف له احترامًا، إنما التغيير في أشكال العرض والإخراج والخدمات، إذا غيرنا التراث الذي وصلنا نكون قد غيرنا تاريخًا بأكمله، لأن الأدوات الموجودة بيننا التي ورثناها عن السابقين تمثل (ردود) أفعال أولئك الناس على ظروف عصرهم، وأسلوب تكيفهم مع معطيات زمنهم، وهذه بذاتها تمثل هوية بشر آخرين ليس علينا أن نعيد إنتاجها بأسلوب العصر، فهذا فيه تجني على من سبقنا.
أن تبقى الجنادرية بمقرها الحالي وشكلها الحالي تبعا لتغير الزائرين من الأجيال الجديدة أمر في غاية الأهمية، ففي كل سنة يزور الجنادرية أجيال جديدة لأول مرة، عليهم أن يتعرفوا على ماضينا مقارنة بحاضرنا ومستقبلنا، فمن زارها عاما مضى، فليس بالضرورة أن يزورها العام الحالي، ولكن أن يزورها جيل جديد أمر مهم، لأن الأجيال تتوالد وتتجدد، وعليها أن تلقي نظرة على الماضي ليس بهدف الركون إليه، ولكن في الانطلاق للمستقبل.
المجتمعات يحدث بها تغيير كل عشر سنوات، وتتغير بصورة شبة كاملة كل ثلاثين سنة باعتباره عمل جيل كامل، لهذا مر (جيل) كامل من عمر الجنادرية، ارتبط بتراثه سنويا، ففي كل سنة يلقي نظرة (بانورامية) على ماضيه، وهو ماض نفخر به جميعا، ولولا أن الجنادرية (تتكرر) بصورة شبه كاملة لما عرفت الأجيال بعضًا من ماضيها، لأن الفكرة ليس في (تغيير) الماضي كحدث، بقدر ما هو في (بقائه) شاهدًا على زمن جميل لمملكتنا علينا أن نتعرف عليه جميعا شرقا وغربا، شمال وجنوبا، ووسطا.
كتبت عن الجنادرية الكثير: أخبار، تقارير، نقد وتحليل لهذا وبحكم قربي منها أدعو أن تبقى كما هي دون تغيير، ومن زارها لمرة واحدة ليس بالضرورة أن يزورها العام الذي يليه، ويترك المجال للأجيال الجديدة، في حين يمكن أن يحصل بها (تحديث)، (تطوير)، (تسهيل) ولكن بدون تغيير ملامح الماضي. أو تقديم أفكار جديدة تحيد بالجنادرية عن هدفها.
تستحق الجنادرية أن تدخل قائمة التراث العالمي باليونسكو في مجال (صون التراث)، وأظن العمل جارسًا على هذا النحو، ونبارك للمسؤولين على هذه الخطوة مقدما ولعلنا نحتفل بذلك قريبا.