أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الخصائص الإيجابية في المجتمع الحائلي -كما في غيره من مجتمعات بلادنا الغالية- أنه ما زال حتى الآن محافظاً على كثير من قيمه وعاداته الجيدة التي ورثها عن جيل الآباء والأجداد، منها على سبيل المثال المشاركة الفعلية في مناسبات الأفراح وحين العزاء، وارتباط أهل الحي بعضهم مع بعض بشكل ملحوظ، صاحب المزرعة يهدي من نتاج مزرعته لجاره القريب، وصاحب الإبل والغنم يعطي الحليب واللبن و...، فضلاً عن أنهم يلتقون لقاء ودياً كل أسبوع على الأقل إذ إن هناك شبة (دورية) عند أحد الجيران بعد مغرب يوم محدد في الأسبوع، وغالباً أول يوم بعد إجازة نهاية الأسبوع، أي بعد مغرب يوم الأحد، وعلى رأس كل شهر هناك قيلة خاصة بهم، ولهم مجموعة في «الواتس آب» ينتظم جميع أهل الحي فيها، يتذاكرون بينهم، ويتناقلون الأخبار الجديدة أولاً بأول، وللنساء كما للرجال تماماً بل ربما زدن عليهم وتفوقن في قوة مد جسور التواصل والزيارات.
الأسبوع الماضي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع (لقيلة أهل لبدة الشماليين) التي تعكس صورة حية ومعبرة عن عمق العلاقات الطيبة التي تجمع أهالي هذا الحي، وقوة وشائج التواصل بينهم، واحترام صغيرهم لكبيرهم، وذوبان جميع مظاهر العنصرية والتعالي بعضهم على بعض، فهم يجسدون بما شاهدته -كما شاهده غيري كثير- لحمة الحي المتعاون المتكاتف المتحاب الوفي والصادق في مشاعره إزاء الجميع.
الشيء الجميل فيما شاهدت ملامح الاحترام للكبير وتقديره العميق، ومشاركة أبناء الحي الذين كبروا فيه وانتقلوا منه إلى الأحياء الجديدة داخل المدينة، بل إن بعضهم ترك المنطقة واستقر في العاصمة الرياض أو جدة أو الشرقية، وكذا حضور الجميع الكبار والشباب والصغار هذه المناسبة، وقيام الشباب على خدمة أهل حيهم، وانسجام بعضهم مع بعض بشكل تلقائي غير متكلف.
هذه الصورة هي صورة الحي الذي نريد، الحي الذي يتفقد فيه الجار جاره، ويعرف أخباره، ويقف معه ويسانده ويساعده متى احتاج إلى ذلك، يشتركون في أفراحهم وحين أتراحهم لا سمح الله، وبهذا تكون لدينا أحياء ذات جسدية واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومن مجموع هذه الأحياء الحية المتعاونة المتكاتفة تتكون مدننا، ومن ثم تتميز مجتمعاتنا المحلية في جميع مناطق المملكة بهذه المنظومة من الأحياء التي عرفت للجار حقه وللتواصل قيمته الحقيقية. شكراً للخيرين في أحياء مدننا الطيبة الذين ينبرون لمد جسور التواصل والاتصال مع جيرانهم ويتفقدون من حولهم ديانة وإنسانية ووطنية وشخصية، والشكر موصول لمن ذكر بهذا الحق العظيم من الخطباء والمصلحين استناداً إلى ما جاء من نصوص شرعية وقصص وحكايات تاريخية، ودامت أحياؤنا كما عهدناها محبة وألفاً ووفاءً وصدقاً، وإلى لقاء والسلام.