د.عبدالله بن موسى الطاير
قرر الرئيس ترامب فجأة سحب قواته من سوريا، وأحدث بهذا القرار ردود أفعال داخل أمريكا وخارجها، وكان من تداعياته استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيم ما تيس. لكن أخطر التعليقات جاءت من الرئيس ترمب نفسه عندما غرد في اليوم التالي قائلا: «روسيا وإيران وسوريا وكثيرون غيرهم ليسوا راضين عن مغادرة الولايات المتحدة،... لأنه سيكون عليهم الآن محاربة داعش وآخرين من الذين يكرهونهم، بدوننا».
وبعيدًا عن المرحبين والمنددين بهذا القرار فإنه يمكن وضعه ضمن تنفيذ الوعود الانتخابية التي قطعها ترامب على نفسه، فهو ينتقد الوجود العسكري الأمريكي في الخارج منذ عام 2013م. بيد أنه يمكن أن يكون ارتجاليًّا لم يأخذ في الاعتبار مصالح أمريكا وحلفائها، وبذلك خدم أعداءها ومنافسيها.
يكرر الرئيس ترمب في كل محفل بأن أمريكا تحارب دفاعًا عن قضايا لا تعنيها ولا تستفيد مقابلا ماليًّا نظير جهودها العسكرية. فهل قرار الانسحاب قرار تجاري بالدرجة الأولى؟ أم أنه تدشين لعقيدة جديدة للسياسة الخارجية تنكفئ أمريكا بموجبها إلى الداخل كما كان معمول به إلى عام 1917م عندما تمكن الرئيس ويلسون من إرسال قواته إلى خارج التراب الأمريكي.
فريق الأمن القومي ومنهم وزير الدفاع ماتيس، ومستشار الأمن القومي بولتون فوجئوا بهذا القرار، ولكن من يتعامل مع رئيس غير تقليدي مثل الرئيس ترمب لا يجب أن يتفاجأ بأي قرار يصدر عنه، لسببين، الأول أن أي وعد انتخابي سوف يقوم بتنفيذه في أول سانحة، والثاني أنه وعد بأن يكون حكمه لأمريكا انقلابا على النخب السياسية التقليدية في واشنطن.
الرئيس يجادل بأن داعش قد هزمت، وما بقي منها من فلول فإن دول المنطقة أولى بمحاربته. كما أنه في تغريدته المشار إليها سلفا يتيح لدول المنطقة الفرصة أن تحارب أعداءها بعيدًا عن أمريكا التي لن تحارب نيابة عن أحد. فأما ما يتعلق بداعش فأزعم أنه قد تلقى وعودًا ممن بيدهم قرار داعش بأن مصالح أمريكا ستكون في مأمن، هذا إذا لم تنته داعش وإلى الأبد. إنني على درجة عالية من اليقين بأن الجماعات الإرهابية من القاعدة إلى داعش هي واجهات دول وأجهزة مخابرات. أما خطابها الديني المتطرف فليس سوى أداة من أدوات التجنيد والحشد والوعد بالجنة تستخدمه لشرعنة القتل والتدمير.
وأما فيما يتعلق بدعوة الرئيس ترمب دول المنطقة لخوض حروبها سواء ضد داعش أو ضد بعضها البعض فإنه لا يعدو أن يكون رخصة للاقتتال، فأمريكا تنسحب بجنودها، مع سوق مبررات تشي بأنها حروب ضرورة. هذا الاستنتاج ليس من مخرجات بند المؤامرة.
استفادة تركيا أو إيران أو روسيا من هذا الانسحاب يعتمد على خططهم في المنطقة، ومنها سوريا، كما أنني لا أشطح بالخيال بعيدا إذا ما قلت إن انسحاب أمريكا من المنطقة هو مطلب أساس للثورة الخمينية، وبذلك فإن مبررها في العداء مع أمريكا لن يكون بتلك الحدة بعد الانسحاب من سوريا، وبخاصة إذا ألحق الانسحاب باستدعاء الجنود الأمريكيين من أفغانستان، وبذلك فلا أستغرب أن أسمع خطابًا إيرانيًّا مهادنا يصدر من طهران كبداية لحوار إيراني أمريكي تستضيفه تركيا.