«الجزيرة» - محمد المرزوقي / عدسة - فواز الروقي:
انطلقت مساء أمس أولى فعاليات البرنامج «الثقافي» للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 33» بـ(ندوة الشخصيات المكرمة)، في المهرجان لدورة هذا العام، ذلك بقاعة المك فيصل، بفندق الانتر كونتيننتال بالرياض، بمشاركة كل من: الزميل الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، مدير تحرير الشؤون الثقافية بصحيفة الجزيرة، الذي قدم ورقة بعنوان: «الدكتور علي الدفاع: الرقم الظل ووعي المسافة»، فيما جاءت مشاركة الدكتور عبد الله بن عويقل السلمي، رئيس مجلس إدارة نادي جدة الأدبي الثقافي، بعنوان: «عبد الفتاح أبو مين: حياته وإنجازاته»، أما ثالث أوراق الندوة، فقدمها الدكتور علي بن سعيد الزهراني، الباحث الإكلينيكي كبير المستشارين والمدير التنفيذي للمركز الخليجي لمكافحة السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، بعنوان: «الدكتورة سمر الحمود: حياتها وإنجازاتها»، فيما أدار الندوة الدكتور صالح بن عبد العزيز المحمود، رئيس مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي الثقافي.
وقد جاء في ورقة الزميل التركي -التي ستنشرها الثقافية بعد غد- في حديثه عن الدفاع، قوله: حكاية تختصر حكايات، وإجابة تلغي استفهامات، الصفر يصبح رقمًا، والرقم يمتد اسمًا، والاسم يصير وسمًا، فتى لم يتجاوز عقده الثاني يضعه قرار بعثته أمام الملك هذا بهيبته وذاك بهيئته، وبينهما مسافة مكان ومكانة وواقع ومواقع، تلقائية زمن جعلت الكبير يأنس بالصغير والصغير ينطق وينطلق بحضرة الكبير، هو راعي غنم أو كذا جاء التعريف فشاءه الملك سعود راعي عقول والتقيا بعد أعوام فإذا الصبي النابه عالم في إهاب شاب سعى في دروب العلم دون أن ينسى أن غُنم الغنم قد قاده نحو القمم.. لم يكن طريقه كما طريق من سبقه ومن لحقه ميسرًا فقد جاء من أقصى الفاقة فتىً يسعى كي يكون وعيًا يرعى، لزمن مختلف فقد كانت المسافة ضوئية بين الذُّرى والثَّرى، وأغلبية ناسه يسكنون مناطق الظل مستأنَسين لها أنيسين بها للظل إيقاعه وموقعه، وأستاذنا الذي نكرمه اليوم أنموذج على لغة الظل التي لا يعرفها أو يألفها المفتونون بالوهج، ولعلها تكون مفتتح الحكاية بتأطير نظريٍ يدعمه واقعٌ ووقائع، الحديث هنا عن «الظل» بمعانيه المعرفية الشمولية لا استقصاءً بل استدلالا على المسافات الفاصلة بينه وبين الضوء وفقًا لرؤية بعض الفلاسفة في أن «الظل العميق نتاج الضوء المكثف»، وهو ما يعني أن الظل نورٌ ولو بدا عَتَمة، وكانت له دلالته في بعض الأمم زمنًا قديمًا لم تغادره أمم أخرى اتكأت على نقد الظل لا الأصل، ولم يكن هذا إيحاءً بأهميته بل هروبًا من مسؤوليته ومساءلاته، وكذا يصنع الظل لمن يحبونه إذ يعفيهم من «مواجهة الواجهة» التي قد تتطلب ما لا يستطيعون الرضا به أو قبول اشتراطاته..
اما الدكتور عبد الله السلمي، فقد تحدث عن أبي مدين، الذي قال: نحن نتحدث عن مستحقين للتكريم، عن شخوصهم، عن منجزاتهم التي استحقوا بها التكريم من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - إذ حاولت أن أعنونَ ورقتي بالكفاح بين الفتى مفتاح وعبد الفتاح، الشخصية التي بدأت السنين السمان والعجاف، لتنسج من ملامحه حكاية غير عادية، حكاية غرست في نفسه حكايات التحدي، والكثير من العطاء، رغم أنها حياة من عاش اليتم والفقر والجهل!، كما يصف نفسه أبو مدين، إذ فقد والده ثم إخوته الذين لم يتبق منهم إلا شقيقتان، ما جعل أحوال الفتى مفتاح بعد ذلك متقلبة بين بدايات عمله المبكر في عمله في مقهى طلبا لدريهمات يقتات منها ووالدته، ما جعله أمام مسيرة من تحول من الصعاب التي أراد مواجهتها بالتنقل من مكان إلى آخر، ليشد الرحال مع والدته إلى السعودية، إلى جدة، ومنه إلى إلى المدينة لتنتقل والدته في الشهر الأول من وصوله على طيبة، ما زاد من اجتماع الغربة والفاقة.
وأضاف السلمي: نحن أمام المكرمين من أعلى مقام في الدولة، لذلك فالفتى الفران الذي كان يحمل الخبز على رأسه، ورغم أنه في عقده التاسع، إلا أنه ما يزال يعمل بهمة الفتى العشريني، الذي ظل في عطاء لحياته بعيدا عن القعود، أو انتظار مساندة خاله له، ما جعله يبحث عن العمل ولو بدون مرتب في بعض الفترات، مواجها التحديات التي كان منها أنه لم يكن يملك ثمن البرقية التي دفعها له أحد أصدقائه طلبا للجنسية، التي أشاد بها أبو مدين في سرعة رد الملك عبد العزيز- رحمه الله- بالموافقة على منحه الجنسية، ما جعل من أبي مدين مخلصا محبا لعمله لأرض الحرمين الشريفين، التي يرى أنها شيء من رد ذاك الجميل الوطني، مستعرضا السلمي، ما قدمه أبو مدين من جهد ثقافي وفكري تميز به على مستوى الوطن العربي الذي استقطب أعلام الثقافة والأدب، ليجعل من النادي الأدبي ملتقى للفكر والحوار، ما أسفر عن العديد من الأفكار التي تبناها النادي، وأسهم بها من خلال النادين التي جاء منها (ملتقى النص الأدبي)، الذي يعد واحدا من أبرز الملتقيات الثقافية للأندية الأدبية، ما جعل منه قارئا نهما إلى اليوم، إذ يقرأ تسع ساعات يوميا، ما جعله يعتبر من مكتبته من أعز أصدقائه، على جانب القلم الذي يصفه بسلاحه الخاص، مختتما السلمي مشاركته في الندوة باستعراض العديد من السمات الشخصية لعبد الفتاح أبي مدين، قائلا: ما يزال «الفتى مفتاح»، حريصا على بره بأصدقائه بالزيارات، وما يزال نهما لسماع الكثير عن أحوال الثقافة، وما يزال يرى بأن الكتابة نافذة يطل من خلالها على المشهد، يسمع بإنصات واهتمام لكل من يحدثه عن الشأن الثقافي، ويرى أن بناته الخمس هن الإصدارات الخمس التي أشادها في نادي جدة الثقافي الأدبي.
من جانب آخر، وصف الدكتور علي الزهراني ثالث الشخصيات المكرمة (سمر الحمود)، بأن لها مع النجاح قصة طويلة، مليئة بالحكايات المتميزة، لتكون ضمن الفتيات القلائل اللاتي قبلن في هذا لتخصص، عبر مسيرة من الزمالة والبورد في أحدث المستشفيات العالمية، مواصلة عملها كأول سعودية تلتحق في بأحد أبرز المستشفيات العالمية، مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، حيث لم يقف دورها عند الدور الوظيفي، مردفا: أسهمت الحمود في العديد من المؤتمرات ومنتديات التوعية بأمراض سرطان القولون والمستقيم، وشاركت في العديد من صياغة العديد من الإصدارات في هذا المجال، إلى جانب مشاركتها في مجال البحث العلمي، ونشرها للعديد من لمقالات في هذا لتخصص في العديد من المجلات العلمية محليا وعربيا وعالميا، ما جعل من سمر الحمود ذات نشاط توعوي وتثقيفي، عبر مساهمتها في العديد من البرامج العلمية واللقاءات التوعوية، حيث واصلت الحمود تميزها عبر هذه المسارات، ليتم اختيارها في العديد من المؤتمرات، ولقاءات الأبحاث ما جعلها أول سعودية في زمالتها، وما جعلها العربية الوحيدة في بعض المؤتمرات ضمن العديد من فرق البحث العلمي حول العالم، ما جعلها ذات ريادة دولية مستمرة من محطة إلى أخرى، ليكون لها موعد مع التكريم، وذلك بتقليدها وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- ضمن دعم قيادتنا للعلم، ولمسيرة العلماء ضمن مسيرتنا الرائدة لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، ما جعلني أحد المشاركين بالحديث في ليلة الاحتفاء بسمر الحمود.
وقد حفلت الندوة بالعديد من المداخلات التي جاء منها مداخل للزين ولد عبد الله الإمام، الذي أكد في مداخلته على قيمة التكريم في حياة العلماء، مشيدا بتكريمهم من مقام خادم الحرمين، ليتجاوز التكريم الثلاث الشخصيات، إلى تكريم العلم وأهله في المملكة؛ تلاه مداخلة لمحمد بودي، الذي أشاد بتكريم أبي مدين الذي سبق وأن تم تكريمه في مناسبات عدة، وحرص الأندية الأدبية على أن تكرمه إحدى شخصيات تكريمها، حيث جاء تكريمه في الجنادرية تتويجا لكل تكريم، مشيدا من جانب آخر بتكريم الدفاع وسمر الحمود، بوصفهم شخصيات تستحق التكريم والاحتفاء؛ فيما وصف القانوني أحمد عجاج، أن ما قصه الزميل التركي عن الدفاع، عن عمق فكر الدفاع الرياضي، متسائلا عن وجود كتابات فلسفية للدفاع، بوصف الرياضيين أصحاب فكر وفلسفة، فيما تحدث عبد الرحمن السلمي، عن عمق المنجزات التي قدمها المكرمون في جنادرية33، التي تواصل تكريم الرواد والعلماء، أعقبه مداخلة لنبيل زارع، الذي أشاد بقيمة التكريم من مقام خادم الحرمين الشريفين، مستعرضا العديد من منجزات أبي مدين من خلال نادي جدة، وموقفه من منتقديه وممن تعرضوا له بالقسوة والشتائم أحيانا، الذي لم يكن يبادلهم سوى الحب، فيما استعرض عطا الله الجعيد، إسهام أبي مدين، من خلال رئاسة أدبي جدة، حب مثقفي جدة لأبي مدين، ومطالبتهم باستمراره في رئاسة النادي، إلى جانب مواجهته للتيارات خلال تلك الفترة، فيما توجه الليبي الدكتور خليفة أحواس، إلى أبي مدين متسائلا عن حياة أبي مدين في ليبيا التي أراد منه أن يلقي الضوء عليها، ثم استمع الحضور إلى مداخلة في قصيدة من يوسف اماريكو، تحدث فيها عن روابط المملكة والبلدان العربية والإسلامية التي أهداها إلى مقام خادم الحرمين الشريفين، التي جعلها بعنوان: «كلنا بسلمان نتباهى.».
كما استعرض الدكتور فهد الشريف، في مداخلته ما قدمه أبو مدين تجاه الحراك الأدبي التجديد، وإبان فترة الحداثة، وما قدمه من خطاب تجديدي، خلال فترة ترؤسه في نادي جدة، تلته مداخلة للدكتور محمد القطاطشة الذي تحدث عن تأ ثير مثل الشخصيات المكرمة على جيل الشباب في عالمنا العربي، ما يجعلنا نعيد النظر في قصصهم الرائدة، ومن ثم نقل تجاربهم الناجحة والرائدة للأجيال المعاصرة، فيما تحدثت هند محمد، عن ريادة الشخصيات المكرمة، مشيدة بما قدمته سمر الحمود، وما قدمته من منجزات، وما تسنمته من مناصب عالمية، تعكس ريادتها في مجال مكافحة السرطان؛ تلته مداخلة لصلاح المصري، الذي أشاد بما تحقق لمهرجان الجنادرية، وما استحقه المكرمون من احتفاء بمنجزاتهم في المهرجان، متسائلا عن دور الإعلام العربي، وعن تطلعات الشعوب العربية في شبابها العربي، لذي أكد على أهمية صناعة (القدوة)، من علماء الأوطان العربية، بعيدا عن استيراد النماذج الغربية عن الجسم العربي، فيما أشاد الشيخ أصغر علي، من دولة الهند، بما وصلت إليه المرأة السعودية من تميز وريادة عالمية، فيما وصف الدكتور علي سعيد القرني، منجزات تكريم المهرجان بين الكم والنوع، الذين حازوا بهما الريادة في مجالاتهم العلمية والعملية، تلتها مداخلة للنائب المصري غادة عجمي التي تحدثت في مداخلتها عن دعم المملكة للقضايا العربية والإسلامية، مشيدة بما تشهده المملكة من تطور، وما تحقق للمرأة السعودية، مقترحة قنوات عربية مشتركة، وخاصة بين السعودية، ومصر والإمارات، لدعم مسيرة الدول العربية في مجالات المعرفة والتطوير والمنجزات، أما آخر مداخلات الندوة فكانت لصباح العراقي الذي أشاد بحراك الشباب والفتيات في المملكة، وما أصبح يجسده حضورهم وتألقهم العربي والعالمي أيضا.