د.عبدالله مناع
الأخبار الصحفية التي سبقت افتتاح معرض جدة الدولي الرابع لـ(الكتاب) والذي سيفتتح بعد غدٍ.. لم تكن مبهجة بقدر المتوقع والمأمول، بعد أن استقلت (الثقافة) عن (الإعلام).. وأصبحت لها (وزارتها) و(وزيرها) المسؤول عنها، وعن أنشطتها التي تتركز عادة في العناية.. بـ(الكتاب)، وبـ(المسرح)، وبـ(السينما)، وبـ(الموسيقى والغناء)، وبـ(الفنون التشكيلية) و(الفنون الشعبية التراثية).. إلى جانب عنايتها بـ(المعاهد) و(الأكاديميات) -إن وجدت- التي تؤهل شباب الموهوبين والموهوبات من أبناء الوطن للعمل في تلك الفروع الثقافية والفنية عن معرفة وعلم ودراية.. وليس اعتماداً على مواهبهم الذاتية وحدها! إلا أن (الوزارة الوليدة).. لم تشأ أن تقحم نفسها في أمر هذا المعرض.. لا من قريب.. ولا من بعيد!! ربما لأنها لم تستكمل بعد إنشاء إداراتها وأقسامها.. وتحديد مسؤوليات تلك الإدارات والأقسام، لتبقى (وزارة الإعلام) هي المسؤولة عن المعرض إجمالاً.. وعن الدور الرقابي خاصة للكتب التي سيحضرها الناشرون.. في معيتهم أو تلك التي سبقتهم بالحضور إلى موقع المعرض.
أما الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض من المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية، وورش العمل الثقافية والفنية.. فسيتولى صياغة أجندتها، وبرمجتها والإشراف عليها (لجنة) من رؤساء ثلاثة أندية أدبية.. هي: نادي جدة الأدبي.. ونادي مكة الأدبي، ونادي الطائف الأدبي، وقد أسقطت (اللجنة) بقصد أو بدون قصد من أجندتها.
وبكل أسف فعاليتا: (السينما) و(المسرح).. اللتان تميز بهما معرض جدة الثالث لـ(الكتاب) واللتان حلمنا بـ(توسعهما) في المعرض (الرابع).. وليس بـ(استئصالهما) من فعاليات المعرض المصاحبة، كما غاب عن المعرض في دورته الرابعة.. دعوة إحدى الدول الشقيقة أو الصديقة لحضوره كـ(ضيف شرف).. كما حدث في الدورة الثالثة لـ(المعرض) عندما استضاف (دولة الاتحاد الأوروبي).. فلبت الدعوة وحضرت.. وكان حضورها ملهماً ومميزاً حيث عرضت (فيلم): (شتاء، أوفلين واتلي) للأطفال، الذي أسعد الأطفال جميعاً.. وكان عنصراً من عناصر الجذب العائلي لزيارة المعرض..
* * *
أما الجانب (اللوجستي) للمعرض.. فسيبقى كما كان عليه المعرض (الثالث) تحت (إدارة) محافظة ومحافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز، و(تمويل) غرفة جدة التجارية والصناعية، و(تنفيذ) الشركة -نفسها- صاحبة الخبرة في إقامة مخيمات المعارض الثلاث السابقة على شاطئ (أبحر الجنوبية).. وتزويدها بـ(خدمات) الكهرباء والماء والهاتف وشبكة (الإنترنت)، وتحت إشراف كلي من قبل مستشار خادم الحرمين الشريفين/ أمير منطقة مكة المكرمة: الشاعر والأديب والفنان الأمير خالد الفيصل.
لتبقى مشكلة مشاكل هذا (الموقع) المتكررة.. هي في بعده ونأيه عن قلب مدينة جدة بخمسة وثلاثين إلى أربعين كيلاً.. في غياب مواصلات (عامة) يعتمد عليها.. أو مواصلات (ترددية) تنشأ خصيصاً أيام المعرض لنقل الزائرين منه وإليه.. مع تخصيص مواقع لانطلاقها كـ(ميدان البيعة) وميداني (باب مكة) و(باب شريف).. إلى موقع (المعرض) بأجور معقولة.. حتى لا يقع الراغبون في زيارة المعرض في قبضة سائقي سيارات الأجرة، وأسعارهم الباهظة التي حددوها في الدورة (الثالثة) الماضية بـ(سبعين ريالاً) للذهاب إلى (المعرض).. ومثلها لـ(العودة) منه..!! ولست أدري بـ(كم) سيحددونها لدورة هذا العام؟.. فما الذي سيتبقى لـ(متوسطي الدخل) من زوار المعرض لشراء الكتب واقتنائها في ظل أسعار الكتاب التي لم تعد تقل قيمته عن ثلاثين أو أربعين ريالاً.. للكتاب الواحد.. وربما أكثر..؟!
أما بالنسبة لمن يملكون (سيارات خاصة) من الراغبين في زيارة المعرض.. سواء من أهالي جدة وسكانها أو من خارجها: كـ(المدينة المنورة) و(الطائف) وينبع والليث والقنفذة وأبوعريش وجيزان.. فان مشكلتهم مع هذا (الموقع) النائي لـ(المعرض) تكمن في عدم وجود أي لوحات إرشادية -حتى الآن- على الطريقين الرئيسيين المؤديين إلى موقع المعرض.. وهما: طريق الملك.. وطريق المدينة.. وإلى حد ما (طريق الحرمين)، وعلى القادمين -من خارج جدة- لزيارة المعرض.. أن يضربوا (الودع) أو يوشوشوا (الرمل) للاهتداء إلى موقع المعرض!!، ورغم أن إقامة معرض دولي للكتاب في مدينة كـ(جدة) -يشكل عنصر جذب في حد ذاته- لـ(الناشرين) العرب والمسلمين.. لـ(الحيوية التجارية) التي تتمتع بها المدينة، ولقربها من (الحرمين) الشريفين في: مكة والمدينة، وهو ما عبرت عنه (أعداد) الناشرين الهائلة.. التي تسابقت لحضور (المعرض) في دورته الأولى.. حيث بلغت (سبعمائة) دار نشر عربية وإسلامية ودولية، وقد كان بالإمكان أن تتزايد أعداد تلك (الدور) إلى ما فوق ذلك.. لولا أن وزارة الثقافة والإعلام -آنذاك- سارعت بإغلاق أبواب قبول المزيد منهم.. لكن تلك الأعداد فاجأها (الموقع) البعيد عن دورة الحياة اليومية.. عن المطاعم والمقاهي وفنادق الدرجة الأولى.. كما فاجأتهم (الخيمة) التي أقيم فيها المعرض، والأسعار التي وضعتها الشركة (المنفذة)، والتي بلغت 200 دولار للمتر الواحد!! لينعكس كل ذلك سلباً على أعداد حضورهم لـ(الدورة الثانية) للمعرض.. حيث هبطت أعدادهم لـ(خمسمائة) دار نشر..!! ثم لتهبط أعدادهم ثانية إلى (أربعمائة) دار نشر في الدورة الثالثة لـ (المعرض)!! ولست أدري: كم هي أعداد دور النشر المشاركة في (المعرض) في دورته الرابعة؟.. إلا أن هذا التراجع في إعداد دور النشر.. لا يطمئن!! بل يُقلق ويشكل خطراً قد يسحب معه الثقة عن أهلية مدينة جدة.. في أن يكون لها معرض دولي لـ(الكتاب)..؟! إذا انتهت فترته التجريبية التي قدرتها (الوزارة) بخمس سنوات.. آملين أن تعيد (الشركة) النظر في تلك الأسعار بـ(عين) مصلحة (المدينة) ومكانتها وتاريخها الثقافي والمعرفي.
وليس بعين مصلحتها (الذاتية) وحدها..؟! إذ لابد -في النهاية- وأن يكون لـ(الشركة) المنفذة.. أسوة حسنة.. في إيجارات معارض الكتاب الدولي التي تفرضها الدول والمدن العربية الأخرى على الناشرين.. في أنحاء الوطن العربي: ففي (تونس) 90 دولاراً، وفي (المغرب) 80 دولاراً، وفي (الشارقة) 46.5 دولاراً.. وكل هذه المدن تقيم معارضها داخل مبانٍ فاخرة مجهزة بأفضل التجهيزات.. وليس في (خيمة) أياً كانت وجاهتها أو جمالها!!.
* * *
على أيّ حال.. إذا كان (المعرض) قد تراجع في دورته (الرابعة) عن ما حققه في الدورة (الثالثة) العام الماضي بحضور وزير الإعلام والثقافة ووكيله ومدير فرع الوزارة في منطقة مكة المكرمة.. بعد أن أعلنت عن غيابها وزارة الثقافة -بعد انفصالها عن «الإعلام»- للأسباب التي أشرت إليها سابقاً.. فقد أنجز المشرفون على المعرض في دورته (الرابعة).. إنجازاً (جوهرياً) بالغ الأهمية عندما استطاعوا بالاتفاق مع (اتحاد الناشرين العرب).. على تعديل موعد انعقاده من الخامس عشر من ديسمبر إلى الخامس والعشرين منه، وهو تعديل جوهري يمكن ترجمته (مالياً) في: تحسن قدرات رواد المعرض وزواره الشرائية من موظفي القطاعين العام والخاص، الذين أصبحوا يتقاضون مرتباتهم وفق الشهور الميلادية وليس الهجرية.. وهو ما سيمكنهم -بهذا التعديل- من زيارة المعرض بسعادة وطمأنينة، واقتناء ما يشاؤون من كتبه.. وهو ما يستوجب رفع (القبعة) أو (العقال) تحية لمن حقق هذا (الانجاز) أو أسهم فيه.