مروان القاضي
يختلط على كثير من غير المختصين بمكافحة الجرائم المالية مفهوم الفساد والاحتيال وذلك بسبب أن نتائج هذه الجرائم متشابهة وتضم قائمة كبيرة من الأعمال غير الأخلاقية منها الابتزاز، والرشوة، والمحسوبية، والاختلاس، والمعاملات غير القانونية ورغم تشابه أركان هذه الجرائم (القانونية - المادية/ الفعل/ النتيجة/ العلاقة السببية - المعنوية) ونتائج هذه الجرائم التي تتراوح حسب الاستبيان العالمي لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز المنشور في عام 2018م حول الخسائر المادية الناتجة عن هذه الجرائم بين 100.000 دولار و50.000.000 دولار التي تعرض لها 46 % من المشاركين في هذا الاستبيان إلا أنه يوجد اختلاف كبير بين هذه الفساد والاحتيال.
حيث يمكن تعريف الفساد على أنّه أعمال غير نزيهة يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب في السلطة، مثل المديرين، والمسؤولين الحكوميين وغيرهم، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة.
بينما يعرف الاحتيال بأنه التحريف المتعمد للحقيقة لإغراء أحدهم بالتنازل عن شيء ذي قيمة أو عن حق قانوني».
ويشمل هذا التعريف الكسب المالي إلى جانب منافع أخرى مثل حق الدخول أو الحصول على معلومات يمكن اكتسابها بالخداع أو بأي سلوك آخر غير شريف، وسواء كانت الخسارة مادية أو كانت تتصل بشيء غير ملموس، مثل حقوق الملكية الأدبية، فغالبا ما ينطوي الاحتيال على خسارة الفرد الطبيعي أو الشخصية الاعتبارية.
ومن هنا يتضح أن الفساد يرتبط بشكل مباشر بالسلطة حيث يرتبط بنسبة 48 % من الموظفين وبنسبة 62 % من موظفين الإدارة العليا والمتوسطة، بينما الاحتيال قد يرتكب من قبل الموظف ومن المستهلك وتشكل نسبة الجرائم التي تتعرض لها المؤسسات من قبل عملائها 36 % وهو من أعلى بثلاثة أضعاف من جرائم الفساد حيث يشير الاستبيان إلى أن 38 % من المؤسسات تعرضت للاحتيال من قبل عملائها.
ولمعرفة أثر الفساد والاحتيال أشار الاستبيان إلى أنه يؤثر على معنويات الموظفين بنسبة 52 %، سمعة المؤسسة 34 %، علاقات العمل 34 %، العلاقات مع الجهات التنظيمية 18 %، سعر السهم 10 %.
وتعد أبرز حالات الاحتيال في أمريكا حسب موقع فوربس فضيحة شركة أنرون في عام 2003 وتم تسمية هذه العملية بجوهرة تاج عمليات الاحتيال فقد كانت هذه القضية أكبر قضية إفلاس في التاريخ الأمريكي الذي أرسل العديد من المديرين التنفيذيين ذوي المناصب المرموقة إلى السجن، هذه القضية أدت إلى مسح 78 مليار دولار (288.6 مليار ريال سعودي) من سوق البورصة ومغادرة 20 ألف موظف في شركة إنرون ليُصبحوا عاطلين عن العمل وأدت عملية الاحتيال هذه إلى تسوية 7.2 مليار دولار (26.6 مليار ريال سعودي) من مدخرات مدراء الشركة نتيجة التلاعب بالقوائم المالية وفساد واحتيال كبار الموظفين.
كما أن الهيئة المنظمة لسوق رأس المالي في الهند حظرت قيام شركة «برايس ووتر هاوس» بتدقيق الشركات المدرجة في البلاد لمدة عامين لتورطها في أكبر قضية احتيال شركات تشهدها الهند حيث كان بي رامالينجا راجو مؤسس شركة «ساتيام لخدمات الكمبيوتر» سابقا، قد أثار صدمة لقطاع الأعمال في الهند في يناير من عام 2009 عندما اعترف بالتلاعب في الأرباح وفتح حساب احتيالي بأكثر من مليار دولار.
وكانت «برايس ووتر هاوس» هي مسؤولة التدقيق المالي للشركة خلال الفضيحة المالية بينما أشار النائب العام للمملكة العربية السعودية في عام 2018 إلى حجم الأموال المساء استخدامها بأكثر من 375 مليار ريال من قبل 320 شخصًا في حملة قادتها المملكة لمحاربة الفساد.
وعلى مستوى الأفراد تعد فضيحة مدرب منتخب إنجلترا سام ألاردايس في عام 2016م وإقالته من منصبه بعد 67 يومًا فقط بسبب استغلال ألاردايس لمنصبه مقابل الحصول على مبلغ 400 ألف جنيه إسترلينى، من أجل تقديم نصائح لرجال الأعمال لكيفية الالتفاف على قواعد الاتحاد الإنجليزى فيما يتعلق بصفقات اللاعبين.
كما تعد فضيحة كارلوس غصن رئيس مجلس إدارة شركة نيسان السابق الذي صنف من ضمن أبرز 50 رجلاً في عالم السياسة والأعمال وهو من أنقذ «نيسان» من الإفلاس عام 2000م وحولها للربحية خلال عام واحد، وأنهى 20 مليار دولار من الديون خلال 3 سنوات والمتهم بقضايا تهرب ضريبي في اليابان من أبرز قضايا الفساد لموظف عمل ما يقارب 20 عامًا في وظائف تنفيذية.
ولتجنب أثر هذه الجرائم فإن التقييم المستمر للمخاطر والتعامل مع البلاغات الداخلية وتطبيق أخلاقيات العمل وبرنامج الالتزام ومبدأ اعرف عميلك وإعداد مؤشرات احتيال للموظفين ومراقبة البريد الإلكتروني والأنظمة الداخلية تعد من أبرز العوامل المساعدة في تجنب المخاطر.
ومع تزايد الوعي والاهتمام من قبل الجهات الحكومية والمؤسسات بقضايا الفساد والاحتيال والحفاظ على سرية بيانات الشخص المبلغ فقد ارتفعت نسبة البلاغات المقدمة من 26 % إلى 34 % خلال 24 شهر الماضية.
** **
- قانوني/ مصرفي وعضو جمعية مكافحة غسل الأموال الأمريكية