حمّاد السالمي
«بين وقت وآخر؛ تطفو على السطح؛ فقاعات كلامية متبادلة بين مواطنين عرب من أكثر من بلد. لو أن الأمر توقف عند أشخاص دون الإساءة للشعوب - واحيانًا للحكام والأعيان - في هذا البلد أو ذاك؛ لهان الأمر؛ ولقلنا: حزازات فردية، وحسابات شخصية، ولكن.. ما نشهده ونسمعه هو سباب، وشتائم، وانتقاص، وردح، وتهديد ووعيد. وممّن.. من مواطن عربي مُستفِز ومُستفَز في بلده لأي سبب كان، ثم تُستغل حالته هذه من جماعات وفئات لها مواقف عدائية ضد حكومات ومجتمعات عربية، فتعمد إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على (السوشيال ميديا)؛ لبث سمومها دون أخلاق أو مسئولية رادعة، خاصة إذا وجدت قنوات فضائية، ووسائل إعلامية، ترعاها دول ومؤسسات استخبارية مغرضة. متى نصل في منطقتنا العربية؛ إلى قانون صارم، يحاسب المعتدين، ويعاقب المتجاوزين في قضايا التشهير والتشويه والتدليس وتزييف الحقائق..؟
«قبل أيام عدة؛ ظهر مواطن أردني في مقطع مصور وهو محتقن للغاية، ونسب حالته المعيشية وحاجته المادية إلى السعودية والسعوديين، والإمارات والإماراتيين..! ثم (تعنتر) صاحبنا وتبعثر.. وهدد وتوعد، وزلزل الأرض من تحته بصوته الجهوري؛ وسط آخرين يبدو أنهم من دبّر ورتّب لهذا المشهد. سُئلت في (قروب) للتثاقف: ما سبب هذا العداء من إخوتنا العرب تجاهنا..؟
«قلت: إنه بشكل مختصر جدًا دون تعميم؛ يعود إلى ثلاثة أسباب. أولًا: إن كل ذي نعمة محسود. (حسد). ثانيًا: الدعايات المضادة والإعلام الذي لا شغل له إلا استهداف المملكة حكومة وشعبًا. ثالثًا: أن ملايين الناس كانوا بيننا يعملون ويعيشون، فبعضهم أساء لنفسه بتصرفه السيء، وبعضهم تعرض لإساءات من الآخرين، وهذا أمر طبيعي حين يختلط فرد بمجتمع، فإنه يجد منه ما يسره وما لا يسره، وكذلك هو بتصرفه قد يسر غيره وقد لا يسره.
«أنا شخصيًا.. لا أفاجأ بمثل هذه المواقف الفردية. وأصر على أنها فردية. بل أقف منها موقف المتفرج المتأسف لحالة عربية مرضيّة، لا يختص بها بلد عربي عن آخر. وهل كل السعوديين راضون عن إخوانهم العرب الذين كانوا يعملون بينهم وما أكثرهم..؟ أو كل السعوديين راضون عن بلدان عربية عملوا فيها، أو زاروها كسياح، فتعرضوا فيها للسرقة والاستفزاز وإساءة المعاملة؛ حتى في موانئها البرية والجوية..؟ قبل النفط؛ كان تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات في بعض الدول العربية؛ يقرؤون في مقرراتهم الدراسية عن المملكة العربية السعودية أنها: (أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء)..! ومن المؤكد أن بعض هؤلاء التلاميذ والطلبة- بعد النفط- عاش وعمل في هذه المملكة، التي كانت جرداء، فماذا كان جزاؤها منه يا ترى..؟
«بالمقابل.. فإن لو كل سعودي أراد أن يعبر عن رأيه في إخوانه العرب آسيويين أو أفارقة؛ لوجدنا منهم من هو محتقن، وحاقد، وغاضب، وقائل فوق ما قاله هذا المواطن الأردني في بلده ضد إخوانه العرب في السعودية والإمارات والجزيرة العربية كما قال. ولكن هناك - بحمد الله - بقية من أخلاق ومبادئ ومُثُل، من المؤكد أنها تمنع بعضنا، وتحول دون ظهور مثل هذه الدمامل المتقيحة؛ التي دأب أعداؤنا على تصيدها والتقاطها والطير بها للإساءة لنا كشعب ومجتمع ودولة.. مجرد الإساءة لنا بأي شكل كان.. هؤلاء الأعداء من بين الأشقاء مع كل أسف؛ يرون أن عملهم هذا الموجه ضدنا؛ يدخل في صلب الإعلام الذي يفهمونه، لمَ لا.. خاصة وأن جهدهم مدفوع الأجر في (قناة الجريرة القطرية)، وعبر أشباهها من قنوات الدس الرخيص، والتحريض البخيس.
«أفهم جيدًا؛ أن الكثيرين من إخوتنا العرب - مع كل أسف مرة أخرى - الذين يبرزون عبر وسائل إعلامية، وعبر وسائط رقمية؛ يظهرون بكل وقاحة؛ كاذبين، ومدلسين، ومزورين، وقائلين قولات السوء ضد بلادنا وقادتنا ومجتمعنا؛ إنما تدفعهم غرائزهم وأحقادهم وضغائنهم، ثم حاجاتهم المعيشية في بلدانهم، أو في مهاجرهم بعد أن لفظتهم أوطانهم؛ ومنهم على وجه الخصوص؛ مذيعو وضيوف (قناة الجريرة القطرية)، التي هي مثال صارخ على السوء. بعد هذا.. ما مصير الأخلاق والمثل والقيم التي تتبجح بها منابر القوم، وتصدح بها منصاتهم الإعلامية ليل نهار..؟ أين الضمير الإنساني الذي هو صنو الصدق في القول والعمل..؟ إلى متى نظل غارقين في هذا المستنقع الآسن؛ الذي لا يليق بأمة كان لها تاريخ عريق، وكانت لها حضارة إنسانية تفاخر بها بين الأمم..؟
«متى يدرك المسيؤون لنا من أشقائنا القريبين قبل البعيدين؛ أن لكل شيء نهاية، وأن حبل الكذب قصير، وأن المملكة العربية السعودية؛ جبل شامخ أشم، لا تهزه ريحهم حتى لو اشتدت، وأن السعوديين يعرفون أنفسهم، ويدركون حدودهم، ويحترمون غيرهم. هذه أخلاقنا التي تربينا عليها. ولكن ليتذكر (الإخوة المسيئون)؛ أن هذه الممارسات غير الأخلاقية؛ هي من المظالم التي توغر الصدور طال الزمن أو قصر، وأننا مع رأي شاعرنا العربي الذي قال:
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهنّد