د. أحمد الفراج
بعد تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير، لفت نظري كمية التدليس، عند الحديث عن آلية سنّ القوانين في أمريكا، وكان الأبرز في ذلك هي الحسابات المعادية، إذ هناك من زعم أن تصويت مجلس الشيوخ يعتبر قانوناً ملزماً! وهناك من قال بأن تصويت مجلس الشيوخ سيتبعه تصويت مجلس النواب، ثم يصبح القانون ملزماً، ولا أدري هل تحدث هؤلاء عن جهل، أو أنهم فعلوا ذلك قصداً، بهدف التضليل، طالما أن الأمر يخص المملكة، التي تواجه حرباً شرسة، منذ أن قرَّر الرئيس ترمب أن يجعلها محطة زيارته الخارجية الأولى، في بادرة تاريخية غير مسبوقة، تبعها عودة العلاقات التاريخية بين البلدين إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل عهد باراك أوباما، الذي كاد أن يدمر العلاقات السعودية - الأمريكية.
تشريع القوانين في أمريكا يمر بمراحل، تم النص عليها في الدستور الأمريكي، الذي كتب قبل أكثر من قرنين، إذ يتم اقتراح «مشروع قانون»، ويكون ذلك عن طريق عضو أو أكثر في مجلس الشيوخ، أو في مجلس النواب، وقد يتقدَّم بذلك مواطن عادي، أو مجموعة من المواطنين، ثم يتم نقاش المشروع باستفاضة، عبر اللجان المختصة في المجلس المختص، وبعد أن يكون هناك قناعة بجدوى المشروع، يتم طرحه للتصويت على كامل أعضاء المجلس، ويتطلب مرور المشروع تصويت الأغلبية (النصف + واحد)، وفي حال تم ذلك، ينتقل المشروع للمجلس الآخر، فلو كانت بداية مشروع القانون في مجلس النواب، ينتقل بعدها لمجلس الشيوخ، والعكس بالعكس، ويتطلب مروره في المجلس الآخر تصويت الأغلبية أيضاً، وفي حال مر مشروع القانون من كلا المجلسين، فإنه ينتقل إلى المكتب البيضاوي، أي مكتب الرئيس.
عندما يطلع الرئيس على مشروع القانون، فإن له خيارين، فإما أن يوافق عليه، وحينها يصبح مشروع القانون «قانوناً ملزماً»، وإما أن يرفض، أي يستخدم الفيتو، وحينها ينتقل المشروع إلى المجلس الذي بدأ منه، سواءً الشيوخ أو النواب، وهنا يتطلب إقرار المشروع تصويت الأغلبية المطلقة، أي الثلثان، فإن صوت مجلس النواب، مثلاً، بأغلبية الثلثين، ينتقل المشروع لمجلس الشيوخ، وإذا صوت المجلس بأغلبية الثلثين، يصبح مشروع القانون «قانوناً ملزماً»، ويلغي ذلك فيتو الرئيس، أما إن تعثر مشروع القانون، وفشل في الحصول على ثلثي الأصوات، فإن هذا إعلان لموت مشروع القانون، والخلاصة هي أن سنّ القوانين في أمريكا أمر يتشارك فيه الكونجرس بمجلسيه مع الرئيس، وإجراءاته أكثر تعقيداً مما يطرحه دعاة التضليل المتعمد!