د. محمد عبدالله العوين
يذهب بعض الطلاب مذهبًا خاطئًا في رؤيتهم نحو أساتذتهم؛ فيصفون بعضهم بالسخي الكريم الذي يجزل العطاء لطلابه فوق ما تستحقه إجاباتهم؛ فيمنح المعسر الذي رسب أو أوشك على الرسوب ما ينقذه من السقوط في وحل حمل المادة، ويستجيب لتوسل طالب برفع درجته من (د) إلى (ج+) بحجة أنه على وشك التخرج وسيستفيد من ارتفاع المعدل في التقديم على الوظائف، ويشفق على من يشكو من معدله الضعيف الذي سيكون سببا في إيقاف مكافأته.
واجهت من بعض طلابي إلحاحا وعتابا وشكوى وتوسلا، بل صدمني أحدهم بأنني أفتقد المشاعر الإنسانية؛ فكيف أضع له درجة الرسوب (هـ) وهو خريج، أليس في قلبي رحمة أو شفقة على شاب يريد أن ينطلق من أسر الجامعة إلى فضاء الحياة العملية ويفكر تفكيرا جادًا في تكوين أسرة وعائلة؛ هكذا كان عتاب أحدهم لي عبر رسالة واتسب!
يستجيب بعض الأساتذة ويرأف ويشفق فينقذ طالبا من الرسوب في المادة، إذا كانت حاجته لا تزيد على خمس درجات أو نحوها بمراجعة إجاباته والأعمال التي قدمها من بحث أو مشاركة قوية مع زملائه.
ولا يستجيب آخر؛ فيعطي كل إجابة ما تستحقه من الدرجات دون زيادة أو نقصان، هذا الأستاذ العادل الموضوعي يصفه الطلاب بالبخيل أو بالمتشدد أو بالجاف أو بغير المتعاون، بل أحيانا يصفونه بما هو أشد وأقسى؛ كالمتكبر أو المتغطرس أو المتعالي!
أيهما على حق؟!
ومن الذي يحظى بالثناء؟
لا شك أن الأول الموضوعي الدقيق على حق؛ لكنه لن يحظى بكلمة ثناء ولا شكر ولا عرفان بما قدمه لطلابه من معارف وما دلهم عليه من الأفكار النافعة والآراء المفيدة التي تنير لهم طريقهم نحو العلم والمعرفة وبناء الشخصية المثقفة.
وأن الثاني السخي الجزل الذي يصفونه بالكريم محبوب لديهم قريب منهم ويحظى بسمعة حسنة وثناء لا ينقطع؛ لكن هل هو على حق؟ وهل ما يمنحه من درجات لمن يستحق ومن لا يستحق يدخل في باب الكرم والسخاء؟ وهل ما يفعله يضيف إلى فضاء العلم والمعرفة والبحث طلابا متفوقين بجدارة وباستحقاق وبجهدهم وتعبهم ودأبهم على التحصيل لا بسخائه وكرمه المزعومين؟!
أمام هذه المسألة المعقدة والمقلقة للضمير والمسيئة لمفهوم العدالة والهادمة لكثير من غايات التعلم والتعليم لا بد من إيضاح ما يحسن أن نفعله، وأن يتغير المفهوم غير الناضج لدى بعض الطلاب الذين ينتظرون منح الدرجات بسخاء ويعاتبون من لا يحقق لهم ما يريدون.
لا يملك أي أستاذ الحق في حرمان من يستحق درجة واحدة، كما أنه لا يجوز له أن يسخو على من شاء بما شاء.
أما الطلاب المأخوذون بمفهومي الكرم أو البخل؛ فعليهم أن يبتعدوا عن هذه الرؤية الغريبة، ويعتمدون على جهدهم وتحصيلهم، فهو من يمنحهم ما يستحقونه دون منة أو معروف من أحد.