د. صالح بن سعد اللحيدان
في هذا الجزء أطرح أمراً ذا بال عن الاكتشاف والكتابات المعلوماتية المنتشرة في الكتابات اليومية لعلي أبيِّن من خلال ذلك خطأ توظيف المعلومات في غير محلها الصحيح لعدم تخصص الكاتب أو أنه تختلط عليه المعلومات. ولعل من نافلة القول أنه لا ينفع بذل الرأي إذا كان في غير الوجهة الصحيحة لاسيما وغالب الناس اليوم يتابعون المعلومات والمعارف وإن لم يبدوا آراءهم.
ولكن دعونا أولاً أبيِّن بعض مفردات حقيقة الاكتشاف، وهذا على ما يلي:
1- الاكتشاف: إبانة الشيء وإظهاره.
2- اكتشف: ابتدأ جديداً قد كان غامضاً من قبل.
3- اكتشف: وضَّحَ الأمر (بتشديد الضاد).
4- اكتشف: كشف خفياً كان موجوداً.
5- اكتشف: بذل الجهد بتخصص معين.
6- اكتشف: اجتهد في إظهار جديد من الأمر.
7- اكتشف: اكتشف واستكشف: بحث ويبحث ما بين قصير وقت وطويله حتى لعله يصل إلى مبتغاه.
8- وأصل الاكتشاف أنه بحث وبذل جهدًا بدنيًا وفكريًا وعقليًا وزمنيًا.
أقول وما يتم اكتشافه هو موجود أصلاً لكن قدرات العلماء قاطبة في العلم الشرعي والعلم العام كالطب والفيزياء والكيمياء وسبل السلام وعلوم الإدارة في السياسات العليا والاقتصاد محدودة، ولهذا فإن بعض العلماء يكمل ما سار عليه سلفه وقد يشترك اثنان أو أكثر في مسألة واحدة حتى يكتشفوا الحقيقة، كالبعد الكوني والتمدد الكوني واكتشاف بعض الأدوية، والتجديد النوعي والسياسي وكذا الإداري، وما يخفى أيضاً علم الاجتماع ناهيك بالكمبيوتر والاتصالات الشفافة وحقيقة المغناطيس وذبذبات الكهرباء والأثير.
ولهذا قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وهذه الآية تحكي الإطلاق إلى أن ينتهي العلم كله إلى عالمه علام الغيوب.
وهذا دال على العجز الأصلي لدى الإنسان لأنه مهما بذل وعانى واجتهد يظل في حال قصور لا تقصير.
انظر التمدد اللامتناهي في قوله تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، لم يقف العلماء إلا على جزء واحد من مئة من هذا التمدد،
انظر حقيقة الخلق غير الممدود وعجز الإنسان عن إدراكه وإدراك كثير من الكائنات المنظورة وغير المنظورة في قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}. وحاول قراءة علم الأجنة من مصادر سليمة صحيحة ثم انظر بقوة تأمل وروح أخاذة كيف كانت هذه الآية قبل علم الطب {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}، تأمل هذه الآية ثم سل من تريد هل تم اكتشاف أصل الخلية الغامضة في عظام الجنين كلها، مع أنها موجودة لكن الطب لم يقف على كل هذا (والخلية هي وحدة الكائن الحي). إذاً فالاكتشاف هو العثور على ما كان موجوداً، وهو حقيقة علمية مطردة ولا جرم.
ولكن مشكلة بعض المعاصرين أقول لعله بدافع الإعجاب ومجرد النقل فهم يهولون الأمر إذا قرأوا أو استمعوا إلى شيء عن هذا العلم أي علم ولا يحاولون تلمس أصول وقواعد الشيء المطروح. فلعل ما نقلوه أو سطروه في صحيفة أو بحث أو كتاب لعله بخلاف أصوله وقواعد، فيظنون الظن كله أن هذا العالم أو ذاك هو العالم. هو من أسس علم الاجتماع أو أسس علم الإدراة أو أنه كذلك مبتكر علم الأجنة أو أنه هو مخترع البنسلين مثلاً، بل لعله يقال (وخلق جواً من العلم الفيزيائي). ولك أن تدرك خطأ هذا القول هنا كما يمكنك أن تدرك القول هناك، فالفيزياء بأنواعها والكيمياء والطب وحقيقة الأمراض وعلاجها كل ذلك موجودٌ على هذه الأرض قبل الاكتشاف وقبل البحوث الطويلة، فليس لك إلا أن تقرأ بتأمل تام الإدراك والإحاطة الشمولية هذا النص (ما أنزل الله تعالى داءً إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله).
ولم أزل أعجب وغيري من المتخصصين من كثير من الكتاب وأولئك هم الذين يقولون غالباً وخلق ويخلق وخلق الفرص ويخلق جواً من النشاط الفكري وما شابه ذلك، فمثل هذه العبارات في المقالات أو الكتب توحي بجهل أساسيات اللغة وحقيقة ما أوردته المعاجم اللغوية خلال عصور خلت، فالجهل بالأساسيات يجر دون شك إلى الوقوع في الخطأ حتى لعل من يقرأ مثل هذا قد يستغرق ضاحكاً من شهرة هذا الكاتب أو ذاك أو الباحث ثم هو يقع في زلل كهذا.
فالاكتشاف على هذا هو إظهار ما هو مخلوق أصلاً بقدرة الله تعالى ومثله الاختراع الذي هو إظهار شيء جديد لكنه مركب كاختراع الطائرة والقطار والعربية والنظارة والهاتف.
إذاً ليس هناك في عملية البحوث المتطاولة أيسر من أن أكون مشهوراً فأنقل من هنا وهناك وأقص وألصق ثم أبدي رأياً وأورد من العبارات ما يجعلني ذائع الصيت معلوماتياً لافتًا للنظر، إلا أن المشكلة تكمن في أن الناس يدركون أن هذا كله نقل وتوظيف للنقل المعلوماتي دون تنبه إلى أن أكثر من سبعين بالمئة يعون الخطأ في هذا لأنهم يعرفون قراءة المعلومات والآراء والاكتشافات والاختراعات من خلال قوقل أو غيره من الكتب المتخصصة في كل علم، فيدركون أن من يجمع ثم ينشر ليس له أصل يقوده إلى التأصيل والتقعيد وطرح النظر الصائب.
وهذا يسبب الغشاوة على العقل من خلال خداع النفس للعقل فيكثر في الناس القراءة العجولة وحب الخفيف من القول، وبهذا قد يحدث الخلل في العقلية الفكرية بعد حين ثم يتراوح النقل هيناً ثم بعد ذلك ينعدم التجديد والسبق الإضافي على حال فيها قائم من شاهد ومشهود.