د.عبد العزيز الصقعبي
المتابع للمشهد الثقافي الحالي في المملكة العربية السعودية، يلاحظ حركة ثقافية معقولة بالذات النشاط المنبري من ندوات ومحاضرات وورش عمل في عدد من المؤسسات الثقافية، بعض الأندية الأدبية، جمعيات الثقافة والفنون، وغيرها من المؤسسات، بينما نفاجأ بغياب الفعل الثقافي في المكتبات العامة، باستثناء مكتبة الملك عبد العزيز العامة، التي أعتبرها استثناءً في العمل المكتبي والثقافي، لما تقدمه من فعل حقيقي يخدم الوطن ويشكر عليه جميع القائمين بالمكتبة.
بقية المكتبات ولا أستثني أي مكتبة، فتغط في سبات عميق، ونحن نعرف أن في المملكة أربع وثمانين مكتبة عامة، حسب المعلومات التي لدي، موزعة على بعض مدن المملكة، ماذا لو كان هنالك فعل ثقافي لتلك المكتبات، أترك هذا السؤال لأتحدث عن تلك المكتبات العامة، ونحن نعرف أنه مر زمن طويل عليها حين كانت تابعة لوزارة المعارف، حيث كانت مكانًا خصص لفترة ما قبل التقاعد لمنسوبي الوزارة، مجرد مبنى يجمع فيه الكتب، ويقضي فيه بعض الموظفين وقتاً بعيداً عن صخب المدارس والتدريس، استثناءات قليلة وفي زمن محدود حدثت في بعض المكتبات عندما يصادف أن يكون من ضمن العاملين في المكتبة مشرفاً بالذات أو موظفاً ولديه حب للنشاط الثقافي إضافة إلى حب للقراءة، فيسعى إلى إحياء المكتبة بعدد من الفعاليات الثقافية، وهذا ما شهدته عندما استلم الأستاذ محمد الشقحاء مكتبة الطائف العامة، فقد بث فيها روح الثقافة، ولكن هذا لم يدم طويلاً.
حين انتقلت المكتبات من وزارة المعارف إلى وزارة الثقافة والإعلام قبل أكثر من خمس عشرة سنة، تفاءلنا، بالذات نحن ممن ينتمي للمكتبات ولديه دراية بكينونة المكتبة العامة وأهميتها، وفعلها المعرفي والثقافي والاجتماعي في كثير من الدول المتقدمة، وعلى رأسها أمريكا، توقعنا أن يزداد عدد المكتبات إلى ضعف العدد الموجود، وتتغير، ويزداد الاهتمام بها، تفاؤلنا هذا جعلنا نكتب ونقترح لتفعيل المكتبات، بعد زمن سمعنا أن هنالك دمجًا مع بعض الأندية الأدبية لتصبح مراكز ثقافية، قلنا لابأس، أملا بتفعيل المكتبة، ولم يحدث شيء حتى الآن، بل دخلت المكتبات في عالم النسيان، وأصبحت في أسفل قائمة الاهتمامات.
أنا لا أدري حتى الآن هل ستبقى تابعة لوزارة الإعلام أم أنها ستنتقل إلى وزارة الثقافة، أم سيكون لها هيئة خاصة تحت إشراف الثقافة وهذا ما نتمناه.
يجب أن نعرف أن القاعدة الرئيسة للثقافة هي المكتبات، فالمكتبة أشبه بالقلب النابض الذي يمد بالمعرفة، والمعلومة، ويستقبل النتاج الثقافي والفكري، إنه يقوم بحركة تدوير لدم الثقافة، قد لا يكون هذا ملاحظاً هنا، لكون أغلب المكتبات أجسادًا محنطة ليس بها روح، ولكن يلاحظ ذلك في كل دول العالم المتحضرة، فهناك لا أحد مطلقاً يستغني عن المكتبة أو مركز المعلومات، وبكل تأكيد هنا في المملكة أصبح هذا الأمر حتمياً مع رؤية 2030م.
مشكلتنا هي الصورة النمطية للمكتبة في ذهن الكثير، التي يرون فيها أنها مجرد مكان لحفظ الكتب، وإحساس البعض أن التقنية الحديثة الآن تساعد في الحصول على المعلومة بسهولة، فلا حاجة لها، فالمعلومة حاضرة دائما فكل واحد يستخدم جوجل بصورة شبه يومية، وأقول إن المكتبة إضافة إلى كونها مكانًا لحفظ الكتب، وهذا بحد ذاته أمر جيد، لأن ليس كل مهتم بالقراءة والبحث لديه القدرة على شراء جميع الكتب التي يرغب في قراءتها أو الاطلاع عليها، فالمكتبة تساعده على الوصول إلى تلك الكتب، إضافة إلى ذلك المكتبة الحديثة تقدم فعلا ثقافياً واجتماعياً في محيطها المكاني، حيث تقام فيها كثير من الفعاليات الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى ما له علاقة بالكتاب من ندوات وورش عمل.
أعتقد أن وضع المكتبات الحالي يمثل عبئاً على الدولة، ما الفائدة من مقر كبير به كتب لا يستفاد منها، ومجموعة من الموظفين، مجرد موظفين ينتظرون نهاية الدوام ليغادروا المكان.
يجب أولا أن يكون هنالك تصميم خاص ومتميز للمكتبات، وزيادة في عددها، وتزويدها بالمتخصصين وجعل هنالك فرصة -كما هو معروف في أغلب دول العالم- للمتطوعين الذين لديهم حب للقراءة ويرغبون المساهمة بأنشطة ثقافية، إننا بذلك نبدأ برسم وجه مشرق للمشهد الثقافي في المملكة.