مراسِم البياض
(إهداء إلى إبراهيم حلّوش)
في طريقي إليه، كسبتْ الحلوى التحديَّ لأجده في استقبالي وفي روحه بستانُ كلمات. كان قد خرج من المشفى منذ يومين، وكانت نظارته السوداء تخفي أملاً عسى أن يستعيد بصره من جديد، كانت الحلوى حلاً يليق به، على الأقل يمكن له أن يتذوقها دون الحاجة إلى أن يراها!
اصطحبتُ كلماتٍ تصلح للضعفاء ولأن الصديق ليس منهم؛ فقد ملأتُ قلبي بصمود هشٍّ عسى ألا تقتحمه عبرةٌ خائرة!
فكّرتُ هل تطيش يدُه قبل أن تجدَ يدي ونتصافحَ كالعادة بالأيدي بعد القلوب؟
في العناق سرى اهتزازٌ جعلني على مرمى عبرة توشك أن تخلف وعدها لي.
اخترتُ الجلوسَ بجواره تمامًا، ملأتُ روحي بوجهه، وشحنتُ قلبي بنقائه المعهود، على يساره كنتُ اصطفي نغمة الوقت وأعلّق زهرَ الكلمات بيننا.
جاء من جاء وخرج من خرج، وعندما طاشت يدُه وهو يودّع زائرًا غادرَ الدارَ قبلي.. تأكدت أنّ الأمر لن يطول، فها هي يده ترفض أن تكون بلا وِجهة دائمة نحو أيدينا المتعطشة لقلبه المُزهِر في راحته.
ودّعته، وحين هممتُ بالخروج، غدرتْ بي وانحدرتْ تلك التي وعدتني ألا تنهمر إلا بعد انتهاء الزيارة.
طلاق
في صمته، يتحرك ما كان يظنه أشدَّ الأشياء ثباتًا:
بقعةُ لونٍ داكنة في الفراش كادت أن تغادر مكانها.. هكذا تراءت في هامش نظره.
نقطة سوداء في بهاء المكان، يبدو بقاؤها كحركة إزعاج مستمر لنظره الساكن.. يرسل بصره سريعاً، لكنها ساكنةٌ حينًا، وحينًا تهمّ بالرحيل أو تغيير مكانها.
وما إن يفكّر مليًّا في حركتها التي لم تكن في الحسبان..حتى تؤوب لرشدها وتعلن السكون الذي لا يبدو أزليًّا. يطمئن نظرُه، لكنه يظل راغبًا في أن يترك لها مجالاً أوسع في المرة القادمة لتغادر؛ فهي ليست أكثر من نقطة سوداء في فراش أبيض.
شحوب ق ق ج
لينهيَ كل شيء؛ صوّب بتركيز على صورته المثبّتة على الجدار، أعدّ المؤقِّتَ وأسرع قبل انتهاء الثواني.. وقَفَ مستعدًّا فغطّى حضورُه الصورةَ المتماسكة، اقترب العدُّ من الصفر، شَحُب لونُه، فلم تتعرف الرصاصةُ عليه..فانحرفت، وفتح عينيه على دوي طلقة بعيدة.
** **
- ظافر الجبيري