علي الخزيم
بنهاية زيارة للقصيم استغرقت سويعات لعيادة قريب عزيز يعاني من عارض صحي - شفاه الله - دلفت ومرافقي إلى (سوق المسُوكَف الشعبي) بعنيزة أو قل كما قال الريحاني: باريس نجد؛ وسأتناول قوله بعد أسطر، ولكن دعني أحدثك عن المسوكف والكليجا، إذ إن المرافق وهو كما قال أحد مشاهير العرب بزمانه معتزاً بابنه: (هو جِلْدَة ما بين عيني)؛ فقد اقترح أن نزور هذه السوق التي نسمع بها ولم نرها؛ دخلنا عبر الباب الكبير التراثي المنقوش بزخارف مستوحات من البيئة ومن فنون كانت سائدة بالمنطقة وبنجد كافة، وكذلك بناؤه وجدرانه ومرافقه تُعَرِّفك من بعيد أنه تراثي، وقد أدركت أنه تراثي من صفته (المسوكف)؛ فالسَّاكِفُ أَعلى الباب الذي يَدُورُ فيه الصائرُ، والصائرُ أَسفل طَرَفِ البابِ الذي يدور عليه الباب، وهذه حال الأبواب النجدية بالقرون الماضية، والسوق شعبي يقع بوسط مدينة عنيزة أنشئ عام 1428هـ بالقرب من موقع سوق المسوكف القديم الذي أزيل عام1394هـ، ويضم مصنوعات وتحفاً تراثية للبيع كما يضم معروضات من تراث المحافظة والمنطقة، لكن المرافق قد اتضحت نواياه فما كان يلتفت للتراث والتحف فقد انطلق لغايته ومراده! إلى أين يا فتى الفتيان؟ إلى هناك! فنظرت إلى حيث يُشير رغم ضعف مستوى النظر إلَّا أن حاسة الشم قد دلتني إلى الهدف؛ فقد كانت مجموعة من الفتيات القصيميات في أركان مخصصة بالسوق يصنعن العجائب، انطلقت هذه المرة خلف المرافق فوجدت أصناف الكليجا التي تخبز طازجة وبأصناف لا يمكن مقاومتها فلك أن تختار المحشوة بالعسل والدارسين (القرفة) والمسمنة وبقية البهارات، وبالزبدة أو السمن القصيمي الطازج، أو بدبس التمر أو التوفي والسكر وغير ذلك من مشهيات ونكهات لا تقاوم؛ حتى أني لما قضمت واحدة إلى المنتصف وبلغت ذروة التذوق قلت بيني وبين نفسي: باقي فنجان شاهي خاثر! فإذا بـ(الكَلَّاجَة) صانعة الكليجا تقدمه دون أن أطلب، كما يقدمون للمتذوقين لأكلاتهم القهوة العربية وتمر السكرى الأصفر الذهبي المكنوز المقرمش، وهناك أكلات طيبة منوعة، لا تمل التجول والتذوق والفرجة، هنا أشيد ببلدية عنيزة التي أقامت السوق وهي أيضاً تراقب سوق الخضار المجاور بصرامة ودقة وتتعاون بذلك مع جهات صحية موثوقة، وأدعو محافظات أخرى للحذو حذوها.
زار أمين الريحاني عنيزة عام 1922 الموافق 1341هـ ضمن رحلته الشهيرة إلى نجد وكانت بداية زيارته إلى عنيزة وحل ضيفاً معززاً على أميرها السلِيْم والتقى خلال فترة إقامته بها عدداً من أهاليها وزوارها، ومن الألقاب التي أطلقها الريحاني على عنيزة: مليكة القصيم وقطب الذوق والأدب ثم قال إنها (باريس نجد)! وهو الأشهر بأذهان الناس حتى الآن، والحقّ يقال إنه ومن خلال زيارات لها وعلاقات زمالة وصداقة مع أعزاء من أهالي هذه المدينة العامرة المُشرقة المتطلعة منذ نشأتها للتحضر والرقي؛ فإني اتفق مع وصف الريحاني فهي مع جمال طبيعتها وأريافها فقد اكتسب أهلها هذا الجمال بالأخلاق والتواضع والوسطية ولين الجانب والبشاشة والكرم والدعابة والمرح، (هل نسيت شيئاً من سجاياهم)؟!