د. محمد بن يحيى الفال
لم تمض بالكاد فترة وجيزة وقصيرة منذ تولي سمو العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مهامه كولي للعهد حتى رأينا ورأى معنا العالم أجمع تطورات ماراثونية وفي غاية الأهمية في المملكة صبت أهدافها وغاياتها من أجل تمكين المرأة السعودية، وجعل سموه هذا التمكين وإنجاحه وإتمامه هو أحد الأركان والدعائم الأساسية لتوجهاته في الداخل. ولعل المتابع لهذا الاهتمام ذي التوجه الوطني والإِنساني من قبل سمو ولي العهد فيما يتعلق بشؤون المرأة السعودية نرى بذراته الأولى من خبرة سموه في العمل في ديوان إمارة منطقة الرياض مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي شغل إدارة إمارة منطقة الرياض، كبرى إمارات المملكة العربية السعودية لمدة تزيد لأكثر من خمسة عقود من الزمن استطاع فيها وبعبقرية إدارية فذة منقطعة النظير من نقلها من مدينة تتكون من عدة أحياء إلى عاصمة عالمية ممتدة الأطراف لمئات الكيلومترات وفي كل الاتجاهات تقدر مساحتها الحالية بـ1200 كيلومتر مربع، والتي لم ترتبط مدينة في عصرنا الحديث بشخصية ما كما هو الحال في ارتباط اسمها على الدوام بباني نهضتها والمشرف على تنميتها بكل تفاصيلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والتي في القريب العاجل سينتهي العمل من مشروعها العملاق للنقل العام الذي سيكون بمنزلة تاج يزيدها جمالاً وأناقة، الذي يشمل على 85 محطة مترو إضافة لأكثر من ألف حافلة نقل عام من أحدث الطرازات العالمية.
ولعل اهتمام سمو ولي العهد البالغ بملف تمكين المرأة السعودية وجعله أحد أهم ملفاته وأولوياته الداخلية ينبع من حقيقيتين أساسيتين. الحقيقة الأولى يمكن توصيفها بالحقوقية وتنبع من خبرة سموه بالعمل في ديوان إمارة الرياض وتجربته عن قرب بالمعاناة التي واجهت المرأة السعودية في كثير من قضاياها المعيشية والاجتماعية من بطالة ومن حقوق لها تتعلق بالعضل والنفقة والعنف الأسري والحصول على إرثها، وهي قضايا تناولتها وبأدق التفاصيل وبما يحقق العدل للجميع الشريعة الإسلامية السمحة التي تفخر المملكة العربية السعودية بتطبيقها في شؤون إدارة البلاد، بيد أن الخلل كان يكمن في آليات التطبيق الذي تعطلت بسببها مصالح كثير من النساء بعدم إمكانية التقاضي السريع والحاسم الذي أضحي لزاماً تجاوزه بتطوير آليات العمل القضائي بالمملكة بما يضمن للمرأة حقوقها عن طريق تطوير عمل القضاء وجعله مرناً وحاسماً في إنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بالمرأة السعودية بشكل خاص والمرأة بشكل عام. الحقيقة الثانية التي شكلت اهتمام سمو ولي العهد بملف تمكين المرأة نرى جذورها في رؤية المملكة 2030 التي تحتاج لمشاركة فاعلة للمرأة لإنجاحها، حيث إنه من المستحيل لأي رؤية اقتصادية أو اجتماعية أن يكتب لها النجاح مع تعطيل أو إقصاء لنصف مكونات المجتمع والمتمثل في نسائه.
فيما يتعلق بالجانب الحقوقي من ملف تمكين المرأة الذي يقوده ويدير تفاصيله سمو ولي العهد نراه فيما يلاحظه الجميع من سرعة البت في قضايا المرأة وليس ذلك وحسب بل بالتنفيذ السريع والحاسم لما يتم الحكم به وبما لا يقبل التأخير أو التسويف مما رفع حملاً ثقيلاً عن كاهل المرأة والمعاناة غير المبررة التي كانت تواجهها المرأة عند التقاضي، وذلك بسبب بيروقراطية مزمنة جاء سمو ولي العهد ليضع حداً نهائياً لها ونجح في ذلك وباقتدار وبسرعة فائقة من خلال تطوير شامل لكل الإجراءات المتعلقة بالمرأة في كل وزارات وقطاعات الدولة خصوصاً تلك الجهات المرتبطة بشكل مباشر بالحقوق ككل من وزارة الداخلية وإمارات المناطق العاملة تحت مظلتها ووزارة العدل من خلال محاكمها المنتشرة في كل أصقاع المملكة، ولعل اللافت للنظر هنا بأن كل من الوزارتين ذات العلاقة المباشرة بحقوق المواطنين والمقيمين على حد السواء هما الجهتان الحكوميتان الأكثر تطويراً لكافة خدماتهما الإلكترونية التي جعلت من العمل بهما إلكترونياً بشكل كامل وبإنجاز يحسب ويثمن لهما. والجدير ذكره هنا وفيما يتعلق بسرعة الإنجازات للمعاملات إلكترونياً وهل سبيل مثال السرعة في الإنجاز باستخدام التقنية لدينا مقارنة بدول متقدمة، فقبل أيام كنت أتحدث مع صديق أمريكي لي يقطن في ضواحي العاصمة الأمريكية واشنطن وأخبرني بأنه كان ينوي قضاء إجازة عطلة عيد الشكر Thanksgiving في الصين لولا أنه اتضح له بأن جواز سفره منتهي الصلاحية ويحتاج لمدة تقدر بأربعة أسابيع لتجديده واستغربت من الأمر، بيد أن استغرابه جاوز استغرابي عندما أخبرته بأن استخراج جواز سفر أو تجديده في المملكة لا يستغرق أكثر من عشر دقائق وإلكترونياً.
وفيما يتعلق بتفعيل مشاركة المرأة السعودية في تحقيق رؤية 2030 نرى ذلك واضحاً جلياً في إسناد الكثير من المهام للمرأة وفي كافة المجالات التي كانت حكراً على الرجل ومنها العمل في مناصب قيادية في وزارة الخارجية أو إدارة الهيئات المالية والشركات الحكومية الكبرى التي سعى سمو ولي العهد لتخصيص نسب متزايدة من كادرها القيادي والوظيفي للمرأة السعودية العاملة، ولعل إعلان وزارة العدل الأخير ولأول مرة في تاريخها الممتد لعقود عن توظيف العشرات من السعوديات في العديد من المحاكم والجهات القضائية في كل مناطق المملكة لهو أكبر دليل على أن جهود سمو ولي العهد في تفعيل مشاركة المرأة في كافة قطاعات الدولة بدأت مشاهدة ومحسوسة من الجميع وبنسب تزداد بشكل متسارع، التي رأيناها في النسب المتزايدة من الموظفات السعوديات العاملات في السفارات والهيئات السعودية في الخارج مروراً بالسعوديات العاملات في النقاط الحدودية ومنافذ الجوازات ومشاركتهن بالداخل في كافة قطاعات ووزارات الدولة التي كانت آخرها توظيفهن من قبل وزارة العدل.
جهود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الحثيثة ومهمته النبيلة في تمكين المرأة السعودية هي جهود لا تعرف التثاؤب أو التردد في جعل مشاركتها في تنمية بلادها أمراً من حقوقها الأساسية كمواطنة تتمتع بكافة الحقوق وعليها كذلك كافة الواجبات، جهود في المحصلة النهائية تهدف لجعل المرأة قادرة على تحقيق أحلامها في بناء وطنها مع اعتزاز كل مكوناته قيادة وشعباً، رجالاً ونساءً بانتمائهم العربي الإسلامي الذي يعد أحد أهم الثوابت الجامعة والمكونة لنسيجه ولُحمته الوطنية.