«الجزيرة» - أحمد القرني:
بدأت فكرة المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» بصدور الأمر الكريم في عام 1405هـ / 1985م في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وكانت بذرة بذرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- ورعاها حتى نمت وأثمرت، وأنتجت من مختلف صنوف الثقافة والتراث العربي الأصيل لتعرضها في قرية متكاملة، تقع شمال شرق العاصمة الرياض، تضم الموروث الثقافي والمادي للإِنسان السعودي والأدوات التي كان يستخدمها في بيئته منذ عقود، إضافة إلى سباق سنوي للهجن، اكتسب مع مرور الوقت ذيوعاً على المستوى الوطني والإقليمي بين عشاق هذه الرياضة العريقة.
وتؤكد رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لهذا الحدث الوطني، الأهمية القصوى التي توليها قيادة المملكة لعملية ربط التكوين الثقافي المعاصر للإِنسان السعودي بالميراث الإِنساني الكبير الذي يشكل جزءاً كبيراً من تاريخ البلاد ومن أولويات الجانب التراثي بالمهرجان، وإبراز أوجه التراث الشعبي المختلفة متمثلة في الصناعات اليدوية والحرف التقليدية، بهدف ربطها بواقع حاضرنا المعاصر والمحافظة عليها بصفتها هدفاً من أهداف المهرجان الأساسية وإبرازها لما تمثله من إبداع إِنساني تراثي عريق لأبناء الوطن على مدار أجيال سابقة، إضافة إلى أنها تعد عنصر جذب جماهيرياً للزائرين.
ويبرز المهرجان الرسالة الحضارية لوزارة الحرس الوطني في خدمة المجتمع السعودي التي تواكب رسالتها العسكرية في الدفاع عن هذا الوطن وعقيدته وأمنه واستقراره.
وتضم قرية الجنادرية بين جنباتها، مجمعاً لكل منطقة من مناطق المملكة، يشتمل على بيت وسوق تجاري، ومعدات وصناعات ومقتنيات وبضائع قديمة، وما تشتهر به كل منطقة من المناطق من موروثها الثقافي والحضاري والعروض الشعبية.
وتحتضن قرية الجنادرية أغلب مؤسسات الدولة ووزاراتها الخدمية لتقدم الخدمة لجمهور القرية أثناء افتتاح المهرجان، وتعرفهم بما تقدمه من خدمات، وتعرفهم بالكثير من الأنظمة والقوانين، التي تخدم الوطن والمواطن، حيث يمتزج الماضي بالحاضر.
وتحاكي الجنادرية حياة المواطن السعودي، قديماً وتقدم نماذج لهذه الحياة البدائية من خلال نماذج مصغرة لها، مثل المزرعة، وجلب المياه عن طريق السواني، وحرث الأرض بوسائل زراعية بدائية.
وتجسد القرية الشعبية نماذج استوحيت من البيئة القديمة للمجتمع السعودي مثل: السوق الشعبي، ومجموعة من المعارض التراثية ومعارض المقتنيات التي شاركت بها الهيئات الحكومية والقطاع الخاص.
وتقدم فرق الفنون الشعبية بمناطق المملكة المختلفة للجمهور في قاعة العروض طيلة أيام المهرجان جميع العروض الشعبية المعروفة في المملكة.
وتستضيف الجنادرية «33» جمهورية إندونيسيا ضيف شرفها هذا العام. ويختار المهرجان الوطني للتراث والثقافة سنوياً شخصيات ثقافية، تكرم على مستوى الوطن نظير جهدها وما قدمته من نتاج فكري وثقافي، حيث سيكرم المهرجان هذا العام ثلاث شخصيات، ويتفضل خادم الحرمين الشريفين بمنح كل واحد منهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
وكان المهرجان، قد كرم منذ دورته العاشرة (27) مفكراً وأديباً ومثقفاً وتم منحهم من يدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله - وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وهم: صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل ـ رحمه الله -، وحمد الجاسر، ومحمد أحمد العقيلي وحسين عرب، ومحمد حسن فقي، والفريق يحيى المعلمي، وعبدالكريم الجهيمان، وعبدالله بن محمد بن خميس، وأحمد بن علي المبارك، ومحمد بن ناصر العبودي، وعلي بن الشيخ الجشي، وعبدالله أحمد العبدالجبار، والدكتور حسن بن فهد الهويمل، وعبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، والدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، وعبدالله بن إدريس، والدكتور عبدالوهاب أبو سليمان، والشاعر إبراهيم خفاجي، والدكتورة ثريا عبيد، وسعد البواردي، وعبدالله بن أحمد الشباط، وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، والدكتور أحمد بن محمد علي، والدكتور عبدالرحمن الشبيلي، وصفية بنت زقر، وتركي السديري، والدكتورة خيرية السقاف. ويتم اختيار لجنة المشورة الثقافية من الرجال والنساء في حدود 40 شخصية لكل دورة وتكون متجددة من مختلف مناطق المملكة وتمثل النخب الثقافية والإعلامية والسياسية لإعداد تصور ومناقشة برنامج النشاطات والفعاليات في الدورة القادمة واختيار الشخصية الثقافية المكرمة وأسماء المشاركين والمدعوين في دورة.
ونفذ المهرجان الوطني «306» ندوات فكرية متخصصة وعامة، و(98) محاضرة و(78) أمسية أدبية، إضافة إلى ندوات شبكات التواصل الاجتماعي، والطاولة المستديرة. واختار المهرجان محوراً رئيساً في الدورات الخمس الأولى من انطلاقه، هو المورث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في الوطن العربي، حيث أقام العديد من الندوات ومنها «ندوة الأدب الشعبي والأدب الفصيح والأدب السعودي والقصة القصيرة في الجزيرة العربية.. بدايتها وتطورها، كذلك ندوة المسرح الخليجي، والندوة الثقافية الكبرى ومن عناوينها: أهمية المورث الشعبي في الأعمال الإبداعية، والموروث الشعبي في الفنون الاحتفالية.. الفكاهة والمسرح والموسيقى والتراث التقليدي لملابس النساء في نجد.
كما تطرقت ندوات المهرجان الوطني للتراث والثقافة إلى موضوعات أكثر حساسية وقريبة من الأحداث والواقع ومنها «تجربة التنمية.. ماذا بعد النفط؟» وفلسطين صراع حضاري «الوطن العربي في خضم التحولات السياسية الجديدة ومسؤولية الإعلام في تأكيد هويتنا الثقافية» «مفهوم الشورى في الإسلام»، كما ناقش المهرجان الوطني في برامجه الثقافية موضوعات حساسة ومهمة منها «الإسلام والغرب.. الجذور التاريخية» «الخطر الإسلامي على الغرب.. بين الحقيقة والوهم». وتلقى المهرجان رسائل شكر وتقدير على مثل هذه الندوات عام 1416هـ 1996م، من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون معبرين عن تقدريهما لمثل هذه الندوات والأطروحات ودورها في نشر مفاهيم السلام والمحبة بين الشعوب «التجربة السعودية في خدمة الإسلام»، «الإسلام والشرق»، «الاستراتيجيات الاقتصادية في الشرق ودور الإسلام فيها»، «الحوار العربي العربي»، «الحوار الإسلامي الإسلامي».
وواصل المهرجان الوطني للتراث والثقافة مناقشة الموضوعات الحيوية ذات البعد السياسي والاجتماعي، منها ندوات «التطرف والغلو.. الأسباب والعلاج «، «الفضائيات العربية بين النقد والتقويم»، «واقع الأمة.. نماذج»، «وسطية الإسلام»، «رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار والسلام وقبول الآخر»، «الغرب والإسلام فوبيا».
وناقش العديد من المشاركين المدعوين والمتحدثين المحليين مستقبل المملكة على المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وفق رؤية المملكة 2030، وتطرق المتحدثون في هذا النشاط الثقافي إلى العلاقات العربية الأمريكية، في ندوة عنوانها: «السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط»، «مهددات النظام الإقليمي العربي»، «الإيدولوجيا في المشهد السياسي للعالم العربي»، «الرواية العربية المعاصرة والإيدولوجيا»، «مستقبل الإعلام السعودي في ضوء الثورة الرقمية».
وركز العديد من الخبراء والمسؤولين عن مستقبل المملكة اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، في ندوات «رؤية 2030 تستشرف المستقبل»، «رؤية2030 والاقتصاد الوطني»، «رؤية 2030 والأبعاد الاجتماعية»، كما ركزت ندوتان عن «السعودية والهند»، بصفة الهند ضيف الشرف لهذه الدورة علماً بأنه في كل دورة تأتي ندوات بمثل هذا النوع من كل دولة ضيف في تلك الدورة، وفي هذا العام تأتي جمهورية إندونيسيا كضيف شرف. وتشهد ليالي المهرجان الوطني على مسرح قرية التراث العربي السعودي بالجنادرية، إحياء أمسيات شعرية شعبية يقدمها عدد من الشعراء الخليجيين، في حين تحتضن الأندية الأدبية في الرياض وجدة والدمام ثلاث أمسيات أدبية عربية.
ويشارك في الأنشطة الثقافية المصاحبة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة سنوياً أكثر من «300 « أديب ومفكر من داخل الوطن ومن مختلف أنحاء العالم، وهي شخصيات مؤثرة على المستوى العالمي.
وأثرى المهرجان الوطني للتراث والثقافة المكتبة العربية بما يزيد على «361 « إصداراً في عدد من حقول التراث والثقافة والفنون والإبداع، كما أصدر ما يزيد على «510» نشرات متنوعة تصاحب فعاليات المهرجان أثناء إقامته. ويقيم المهرجان الوطني معرضاً للفنون البصرية في كل أجنحة مناطق المملكة، حيث خصص في جناح كل منطقة حيزاً تعرض فيه لوحات تمثل الفنون البصرية المختلفة، تشمل الفن التشكيلي والتصوير والخط العربي وغيره.