د. عبدالرحمن الشلاش
لا يحكم على الإنسان من خلال شكله. طوله أو عرضه أو جمال ملابسه، ولا من خلال المظاهر الخارجية التي كثيراً ما تقدِّم لنا شخصيات مموَّهة خادعة مضلِّلة تصيبنا بالصدمة من هول ما نراه من ازدواجية صارخة بين المظهر الآسر والسلوك المقزِّز.
الحكم القاطع الذي لا يقبل الجدل يكون من خلال الفكر. يُقاس الفرد بفكره وكيف ينظر للحياة؟ وكيف يحل مشكلاته بطريقة مميزة؟ وكيف يتدبر أموره؟ وما هي نظرته للمخالفين والمتفقين معه؟ وما ردود فعله تجاه الأحداث التي يتعرَّض لها وطريقة عرضه لأفكاره، وما المعتقدات التي يعتنقها ويؤمن بها ويدافع وينافح عنها؟ هل له منهج مستقل في التفكير أم أنه نسخة كربونية لشخصيات مكرَّرة عبر التاريخ، يردِّد أقوالهم مثل الببغاء دون أن يكون لديه وجهة نظر مستقلة يحكم بها على كافة الأمور، ويفسِّر بها الأحداث وبرؤيته الخاصة دون أن ينتظر آراء الغير ليستقي منها ما يرى أنه يخدمه ويقوِّي من مواقفه.
هل تفكر؟ سؤال في محلِّه، والإجابة عليه تخدم مجتمعاً كاملاً يتمنى كل حريص فيه أن يرى كل أبناء وطنه يفكرون بطريقة حاذقة وخلاَّقة ومبدعة منتجة في مجالات مفيدة لحل مشكلات قائمة، أو ابتكار طرق ووسائل جديدة، أو صياغة أفكار مفيدة.
لكن السؤال الأهم: كيف نصنع جيلاً مفكراً، جيلاً منتجاً، جيلاً لا يتحول إلى تابع يجري وراء كل ناعق كقطيع الماشية؟ للأسف أن النظام التعليمي الحالي ببرامجه وأنشطته ومعلميه لا يقدِّم تعليماً يتحدى قدرات الطلاب ويضعهم في أوضاع تجبرهم على التفكير لحل المسائل والتدريبات وطرح الحلول. تعليمنا ما زال أسير التلقين والحفظ والاستظهار رغم كل الجهود التي بُذلت لإخراجه من هذه الشرنقة القاتلة.
إذا كان الطالب يجد كل شيء جاهزاً أمامه فبماذا سيفكر؟ الموضوعات تُشرح له بالكامل دون أن تترك له حرية التفكير ولو بالجزئيات البسيطة؟ والتدريبات والمسائل تُحل من قِبل المعلِّمين ليكتفي فقط بنقل ما يكتب ثم ينسخ ما يلخصه المدرس.
بهذه الطريقة القديمة تخرِّج أجيالاً ناقلة للمعرفة في أحسن الأحوال لذلك تذهب هذه المخرجات الضعيفة للجامعات التي تضطر لتدريبهم على مهارات التفكير، وهي المهارات التي يجب أن يدرب عليها الطلاب من بدايات المرحلة الابتدائية وبالذات المهارات الأولية.
هل تفكر؟ سؤال سيظل مطروحاً إلى حين وجود النظام التعليمي القادر على تعليم وتدريب الطلاب بطريقة عصرية وصناعة جيل مفكر.