أليم على النفس أن يقف المرء لتأبين زميل، وصديق عزيز أغلى ما يكون الإعزاز والصداقة.. ودعنا، بالأمس، شيخاً جليلاً، وزميلاً كريماً اختطف منا عجل، وبلا وداع وحرمنا من زمالته وفضله.
يرحم الله فقيدنا الغالي اللواء أبا عبد الرحمن إبراهيم عاشور.. وتغمده بواسع مغفرته، وجزاه أحسن ما عمل، وأثابه عن زملائه وعارفي فضله خير الثواب، وألهمهم وألهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء، مع الخالدين، «إنا لله وإنا إليه راجعون».
عرفت الفقيد الكريم منذ 47 عاماً أو تزيد، عرفته (ملازماً) بإدارة الدفاع المدني بالرياض بشارع الوشم، زميلاً كريماً في الخدمة العسكرية.. وعرفت فيه حماساً بالغاً للواجب لما ارتضته نفسه واطمأن إليه هواه ولم يضعف هذا الحماس في شيء تقدم السن في الخدمة، ولا مرور الأيام حتى كان يقف بالعمل مواقف تعز على بعض القادة الكبار، عرفته فعرفت فيه التصويب إلى الهدف، والحرص على الغاية؛ إن تعلق بأمر من أمور الوظيفة سعى إليه ما وسعه، وقصد إليه من مختلف جهاته، عرفته (وكنت أقدم منه في العسكرية) السبّاق إلى القول والمثابرة، والراغب في تنفيذ الأوامر في الأعمال الميدانية، ومشاركاً في الحج والمشاعر لمواسم عديدة.
في عصرنا هذا كما هو الحال في كل عصر مضى يكثر الرجال الصادقون المخلصون الذين يهبون حياتهم وجهودهم كلها للقيام بالواجب، ولكن النادر فعلاً هو أن يكون أولئك الصادقون المخلصون موهوبين في نفس الوقت، أي أن قيامهم بالواجب يكون عملاً ضخماً مستمراً وأداءً متصلاً، كما لا بد أن يؤدى، وإنما يكون فيه ابتكار وتجديد وتوجيه، دائماً، إلى الأحسن.. هذا الفقيد عرفته فلم يكن عمله مجرد قيام بالواجب وتحريراً للرقبة من الالتزام الشخصي، بل تحمل للمسؤولية مجتهداً مقبلاً على العمل، ينفق فيه كل عمله وجهده.
حياة الفقيد ولا شك خصبة زاخرة جمعت بين العلم والعمل، امتلأت بالإنتاج المتواصل في ميادين الدفاع المدني مناضلاً لا يمل..
أُودع إبراهيم فاضلاً حقاً في زمالته وأخلاقه وزيه وسمته، يملأ العين جلالاً ووقاراً، والقلب تقديراً واحتراماً.. ولعله فاضل في صدقه وأمانته، وقوله وعمله، حديثه جَدّ لا هزل فيه، ومسلكه قدوة حسنه، وسيرته أدب جَمّ وتواضع بالغ، وعطف ورأفة، وبذل للنفس والمال في سبيل الخير للناس، كان من حق الفقيد علينا أن نجلو حياته الحافلة بتفصيل دقيق ولكن هذا المقام المحدود لا نستطيع إلا أن نوجز ذلك إيجازاً، أوأن نجمع أطرافه في أضيق ما يكون الجمع فعذراً مسبقاً إن لم أوفه حقه.. هذا هو فقيدنا الذي أدينا الصلاة عليه، نكرم ذكراه - رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مستقره ومثواه.
اللواء سعود مشعان مناحي الدخيل