م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. لا شك أن أحداث (سبتمبر 2001م) خلقت فورة عالمية للاهتمام بدراسة المجتمع السعودي.. بعضها لا يزيد على كونه مجرد انطباعات وتعليقات صحفية تملك قدراً من الإثارة أكثر من المصداقية.. أو كتابات تم تسميتها بالكتابات السياحية التي يغلب عليها التبجيل.. أو الكتابات المسيسة المتحاملة ذات الميول المعادية.. أو الكتابات الدبلوماسية التي تهدف إلى تمتين العلاقة.. أما الدراسات الفكرية الجادة فهذه نادرة جداً وجدلية.
2. يقول (باكوفليف): «في السعودية تبرز ظاهرة انطباق العصور وتداخل الأزمنة».. فإذا كانت المجتمعات العربية الأخرى قد تدرجت في الاحتكاك بالغرب وثقافته ومنتجاته.. إلا أنه في السعودية قد تمت النقلة بسرعة فائقة لمجتمع يعيش على مساحة شاسعة.. مما أدى إلى تقسيم الزمان السعودي إلى زمانين.. وهو ما أربك المشهد أمام الباحثين.
3. يقول «رياض الريس» في كتابه (رياح الشمال): «مشكلة الكتابة عن السعودية في الإعلام العربي أنك إذا كتبت مادحاً فأنت متهم بالنفاق والوصولية.. وإذا كتب منتقداً فأنت متهم بالابتزاز».. هذا الشعور أثر بشكل عميق في بعض الباحثين كما يقول «عبدالعزيز الخضر» في كتابه (السعودية سيرة دولة ومجتمع).. فأصبح الكُتَّاب يتذاكون في أبحاثهم وتعاملاتهم حتى لا يتعرضوا لهذه التهمة.. هذا بالنسبة للكُتَّاب غير السعوديين.. أما الكُتَّاب السعوديون فقد واجهوا مشكلة أخرى متمثلة في الاعتراضات المجتمعية - قبلية أو مذهبية أو مناطقية - لذلك تخلو كتاباتهم من الرؤية التحليلية الشخصية وتقل تفسيراتهم للواقع المشاهد.
4. بسبب تكوين المجتمع السعودي الصحراوي المنشأ فهو يمتاز بالشك في كل شيء.. والحرص على التكتم في كل أموره مما أوجد شحاً في المعلومات.. هذا إضافة إلى أن أي بحث لن يغطي سوى نصف المجتمع لأن مجتمع المرأة مغلق ممنوع اختراقه.. أيضاً للرجال رأيان في كل شيء رأي فيما يخصه ورأي فيما يخص الآخرين.. ولديهم أيضاً جانب ظاهر وجانب خفي.. وهكذا.
5. هناك أيضاً من المشكلات الخوف من الرقيب الرسمي الذي يمكن أن يمنع النشر بحجة الخشية من إثارة الفتن الفئوية في المجتمع.. لذلك سوف يجد الباحث في دراسات المجتمع السعودي أنها دراسات تجميعية تفتقد للتحليل ورؤية الباحث الشخصية.. أحياناً لأن الباحث ليس لديه رؤية وأحياناً أخرى لخوفه من إثارة الفتنة كما يسميها الرقيب.
6. الخلاصة أن الدارسين للمجتمع السعودي على ثلاثة أصناف: الباحث السعودي الذي يخشى ردة فعل المجتمع ومنع الرقيب الرسمي.. والباحث العربي الذي يخشى التهمة بالنفاق والتزلف أو تهمة الابتزاز.. والباحث الأجنبي الذي يشكو من العجز عن فهم البنية الداخلية للمجتمع السعودي.. ورغم أن الباحِثَيْن العربي والأجنبي يمتازان بضيق المساحة المسكوت عنها إلا أن الباحث السعودي يمتاز بالفهم العميق لبنية المجتمع الداخلية.