د. محمد عبدالله العوين
من جميل المصادفات توافق تصريح وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى بعودة مادتي الخط والإملاء إلى المدارس الابتدائية مع اليوم العالمي للغة العربية الذي يحل بتاريخ 18 ديسمبر من كل عام.
قررت الوزارة عودة المادتين تدريجياً؛ إذ ستكون مقرَّرة في الفصل القادم على طلاب السنة الثالثة الابتدائية، ثم تعمم مع بداية الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي القادم 1441هـ - 2019م على المرحلة الابتدائية كلها.
ويتزامن هذا القرار مع خطوات تحديث للمناهج التعليمية؛ كإضافة مادة الفلسفة ومهارات التفكير ومادة القانون إلى طلاب المرحلة الثانوية؛ لتتوافق المناهج مع رؤية المملكة 2030م بحيث يتخرَّج الطلاب متملكين قدرات متميزة تمكنهم من الوصول إلى أفكار ناضجة ومعرفة عميقة بالقوانين والأنظمة.
ولست أدري عن الأسباب التي منعت الوزارة سابقاً من تدريس الفلسفة وتاريخ الديانات والمذاهب البشرية لطلاب المراحل المتقدِّمة في الثانوية أو الجامعات، وخلَّف ذلك التجاهل تخريج أجيال لا تمتلك معرفة بتاريخ الديانات التي تحدث عنها القرآن الكريم وأشارت إليها الأحاديث النبوية الشريفة، وأجيال تجهل جهلاً تاماً تطور المدارس الفلسفية العربية والأوربية وغيرها، إلا من اجتهد في الوصول إلى المعرفة بجهده الخاص، وثمة فرق بين أن يتلقى الطالبُ العلمَ في أي شأن من الشؤون في جلسات حوار مع أساتذته، أو أن يسعى إلى المعرفة وحده بالقراءة الحرة دون حوار أو تساؤل في المشكل من القضايا. وقديماً قالوا «من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه «.
لقد شكا الأساتذة والمربون والحريصون على سلامة اللغة العربية ومن ضعف طلابنا خلال أكثر من عقدين في علوم اللغة العربية بعامة؛ إعراباً وبلاغةً وإملاءً وخطاً.
وتكشف هذا الضعف المزري في المستوى اللغوي الهزيل لجيلين أو أكثر من خريجي الجامعات - إلا نسبة قليلة - فلا يستطيع كثيرون منهم كتابة سطر واحد خال من الأخطاء الفاحشة في قواعد اللغة والإملاء وبخط مشوَّه لا يكاد يُقرأ.
ولو أخذنا الآن تغريدة واحدة من « تويتر» مثالاً واحداً سريعاً؛ تغريدة لا تتجاوز جملها مائة وأربعين حرفاً لأصابنا الرعب من ركاكة الأسلوب وتنافر بناء الجمل وتحطيم القواعد اللغوية والإملائية.
ونعاني نحن أساتذة اللغة العربية في الجامعات من هذا الضعف في طلاب كليات اللغة العربية بأقسامها المختلفة إلا ما ندر؛ فكيف بغيرها من الكليات الأخرى غير المتخصصة في اللغة العربية؟!
كيف يمكن لمن يحمل شهادة من كلية لغة عربية بأية جامعة من تدريس اللغة وهو يجهل قواعدها؟ أينقل ضعفه في اللغة إلى طلابه بحيث تحدث عملية تدوير منظمة للجهل؟!
أيعقل أن يجهل طالب كلية لغة عربية قواعد اللغة الأولى من فاعل ومفعول أو قواعد الإملاء الأولى كالتاء المفتوحة أو المربوطة؟!
أيعقل أن يكتب أحدهم بخط لا يكاد يقرأ وهو طالب جامعي؟!
لقد فاض الكيل من جهل أبناء العربية بلغتهم؛ فالحمد لله على اعتراف الوزارة بخطئها الفاحش القديم بإلغاء مادتي الإملاء والخط، والعودة إلى الحق فضيلة.