أبكي على رائعتي لغتي العربية وما آلت إليه بسبب عقوق أبنائها، لم يكتفوا بهجرها، ولكنهم دنسوا بعض معانيها، وغيَّروا من بعض مصطلحاتها، ألم يعلموا أن الأمم تبني حضاراتها باحترامها للغاتها، وأن الشعوب تضيع وتفقد هويتها إن هي أهملت لغاتها؟! لغتنا العربية غنية بكنوزها، جمالها بتنوع مصادرها، كمالها بأن القرآن الكريم نزل حافظًا لها، أبكيك يا لغتي في يومك العالمي الذي خُصص تقديرًا لك، فأناجيك فأقول:
هل يشكو الضادُ أم هل يشتكي القمرُ
أم أنّ ليلي طواهُ الحزنُ والسهرُ
بكيتُ جمرًا على شكواكِ مُلهمَتي
كمَنْ بكى طَلَلاً إذْ ينطِقُ الحَجَرُ
أينَ الخطابةُ والأشعارُ رائعتي
أينَ البلاغةُ والأمثالُ والعِبَرُ
أينَ الجناسُ وأين السجعُ في لغتي
أينَ الطباقُ وهل يبقى لها أثرُ
وأينَ منا دواوينٌ تخلِّدُنا
وأينَ منا أباةُ الشعرِ ما نظروا
ألا نباهي بأنا أصلُنا عربٌ
غيثٌ تهامى على الأمصارِ لا مطرُ
هل نشتكي لغةً كانت منارَتَنَا
أم نشتكي جيلَ مَنْ للعلمِ يَفْتَقِرُ
أهيَ المدارسُ هل ضاعت هُويتُها
أم المُعلّمُ والتعليمُ ما الخبرُ
كانت لنا هبةَ الرحمنِ أكرمَها
فلنحترمْ لغةً تزهو بها الدّررُ
أما وضاعتْ عُرى الإعرابِ همّتُنا
والنحوُ عند شبابِ الجيلِ يَحْتَضِرُ
كم حاولتْ أممٌ تخفيكِ يا لغتي
لكنَّ مُنْزِلَها الخلاّقَ مقتدرُ
يموتُ قومٌ ولا التاريخُ يذكرُهم
إنْ همْ أضاعوا لسانًا بذرُه ثمرُ
واللهِ ما ذلَّها إلا تهاوُنُنَا
فلن تموتَ وذكرُ اللهِ ينتشرُ
يا كوكبَ الفعلِ يا نجمًا علا وسما
يفيض منك رحيقُ الإسمِ يزدهرُ
ويعزفُ النايَ مفعولاً فيطرِبُنا
يشدو المضافُ بها والنائبُ الوترُ
كالبحرِ في مدّها أمواجُها حكمٌ
وكالعروسِ جمالٌ زانَها حَوَرُ
يا ضادُ يا لغتي يا كمْ بَكَيتُ دمًا
تخاذلُ البعضِ من أبنائِك الخَطَرُ
أخفوا الضمائرَ والمنصوبَ يرفعُه
والحالُ منكسرٌ والمبتدا خبرُ
أمّا الصفاتُ فلا عُرْفٌ لها أبدًا
والعطفُ من حالِه هل قامَ ينتحرُ
فلا المثنى ولا المبنيُّ يعرفُه
ولا الجموعُ فمن تشكيلِها ضجرُ
ولا الحروفُ ولا المنعوتُ لا بدلٌ
لا فرقَ بينكمُ فالضادُ تصطبرُ
يا همزةَ الوصلِ حُلي وارفعي علمًا
وبلّغيهم بأني بِتُّ أستعرُ
إن يتركوني فلن والله يرتفعوا
فالعارُ ملبسهُم والخزيُ ينتصرُ
أنا الوجاهةُ والرحمنُ أكرمني
فأكرموني وإلا أنتمُ نُكُرُ
كما المحيطُ أنا درٌّ بداخلِه
أرى اللغاتِ أمامي الآن تنبترُ
تَعَلَّموني وزيدوا من تعلّمكم
وعَلِّموني لمن بالأرضِ يَعتَبِرُ
ولا تهابوا من الأعداءِ فرحتَهم
لَكَم تَمنَّوا بأني اليومَ احتضرُ
لكن يومي هنا عزٌّ ومفخرةٌ
فأنتمُ الأهلُ والأصحابُ تفتخرُ
فإنْ سقَيْتم فِياضِي زدتكم أدبًا
وزدتكم ألقًا في صفوهِ سِحَرُ
وإن هجرتم دياري لن أعاتبَكم
أنا الأمومةُ لا عتبٌ ولا وزرُ
يا من تشدَّقَ بالتغريبِ واعجبي
إن العقوقَ سمومٌ كلّها شَرَرُ
أنا الفصاحةُ بالقرآنِ باقيةٌ
ما قامَ في الليل نشوانٌ وَمُدَّكِرُ
- شعر: د. سالم بن محمد المالك