عروبة المنيف
طالعتني بنظرة منكسرة وحزينة وبهيئة تفتقد لأي شعور بالاعتزاز والثقة بالنفس. حادثتها عن نفسها، عن خططها المستقبلية، عن آمالها وطموحاتها. لأكتشف بأنها لا تفكر سوى بالانعتاق من حاضرها الذي تقع أسيرة له، هي تفكر فقط في كيفية التخلص من المشاعر السلبية التي تنتابها في كل لحظة، من الإحباطات المتكررة التي تعايشها، من الجو الأسري المشحون بالكراهية والصراع والأسى والحزن!.
قصة تلك الفتاة المنكسرة، والصراع الداخلي الذي تعاني منه نتيجة لما يحدث في منزلها من توتر وقلق ومشاحنات لا تنتهي، هي قصة تتكرر في بيوت كثيرة بحجة حماية الأبناء من الطلاق الرسمي وتداعياته! إنه الطلاق الصامت أو الانفصال العاطفي كما يطلق عليه، فالطلاق بين الزوجين لا يقع ويبقى عقد الزواج سارياً، ولكن يعيش كل منها بمعزل عن الآخر، وتحت سقف واحد، ليدخل زواجهما في مرحلة موت سريري ويسكن الصمت في زوايا المنزل، لتصبح الأحاديث وإن حدثت، مقولبة بقوالب جامدة لا حياة فيها، ما يقود الحياة الزوجية إلى التصحر.
يتخذ الزوجان قرار الانفصال العاطفي وهم بذلك يزعمون أنه القرار الأنسب من أجل ضمان استقرار الأطفال الأسري! ولكن بالنظر لذلك القرار من زوايا أخرى، نعلم بأن هناك عوامل أخرى وراء ذلك القرار بخلاف عامل الاستقرار الأسري! كالعامل الاجتماعي! حيث يرفض الزوجان الدخول في تجربة الطلاق الرسمي نتيجة للرفض الاجتماعي الذي يصاحبه وعلى الأخص من طرف الزوجة التي تفضل الاستمرار في حياة زوجيه تعيسة على أن يطلق عليها لقب «مطلقة». وهناك أيضاً العامل المادي، فعدم وجود عائل للزوجة أو عدم مقدرتها على تأمين مستوى اجتماعي لائق لأولادها كالذي اعتادوا عليه في بيت والدهم يجعلها تتخذ ذلك القرار، فهي تفضل استمرار الزواج مع انفصال عاطفي على حدوث الطلاق الرسمي وتداعياته المالية عليها وعلى أولادها، حيث يأكل الوالدان الحصرم والجميع يضرسون!
تؤكد معظم الدراسات التي بحثت في هذا النوع من الانفصال الصامت أو الطلاق العاطفي، بأن آثاره السلبية على الأبناء تفوق الآثار الناتجة عن الطلاق الرسمي، فتزداد بين الأبناء الانحرافات السلوكية وحالات الاضطرابات الشخصية، لأن البيئة غير مناسبة لتربية الأبناء، فهم يعيشون في منزل مشحون بالكراهية، ويعايشون مسرحية حزينة لا تنتهي فصولها، فجميع من على المسرح متوترون ومشحونون بمشاعر سلبية معرضة للانفجار في أي لحظة!
ذلك الوضع الأسري «غير الطبيعي»، حيث الجمود العاطفي والتنافر الروحي والنفسي من قبل الطرفين قد يكون سبباً في الخيانة الزوجية، كما أكدت عليه الدراسات، فالهوة تزداد اتساعاً بين الطرفين، وهم بذلك لا يعلمون بأنهم يدمرون أطفالهم ومستقبلهم النفسي والعاطفي والسلوكي والاجتماعي بغير قصد!
إن المستشارين المتخصصين في المجال الأسري ينصحون بالسعي لإنهاء العلاقة الزوجية «غير الصحية» من خلال الطلاق الرسمي ليعيش الجميع في جو أسري وعاطفي واجتماعي ونفسي صحي بعيد عن المشاحنات وأجواء الكراهية والشحن السلبي، فالكي في بعض الحالات يكون هو العلاج الشافي.