عبدالوهاب الفايز
بعد توسع سوق الشركات الاستشارية الأجنبية، واتضاح استحواذ عدد محدود من الشركات العالمية على السوق، ربما نحتاج للتحرك عاجلا لتلافي المخاطر المترتبة على احتكار القطاع، حتى لا تتكرر معنا حالة احتكار خدمات المحاسبة والمراجعة التي ما زالت تعاني من تقلص الفرص، فليس أمام المختصين بالمحاسبة لدخول السوق سوى بوابة الشركات الكبرى الرئيسيّة، فمنها تأتي الأعمال والفرص والتزكية.
ورغم هذا الاحتكار تبقى الأوضاع في قطاع المحاسبة جيدة، حين مقارنتها بأوضاع قطاع (الاستشارات الإدارية)، فالسعوديون، كمستشارين أفرادًا أو مكاتب محاسبة، حصلوا على قطعة من كعكة السوق. المؤسف أن نصيب المحتوى المحلي من قطاع الاستشارات الإدارية قليل جدا، لأن الشركات الاستشارية العالمية في السنوات الماضية هيمنت على فرص الاستشارات المطلوبة من القطاعين العام والخاص، وبقي المحتوى المحلي محصورًا في عقود الباطن! وهذا الوضع سلبي لكون القطاع الاستشاري لا توجد له مرجعية ترخص للمكاتب الاستشارية وتراقب عملها.
الأنشطة الاستشارية تحتوي على 29 اختصاصاً، ترخص من قبل إدارة المهن الاستشارية بوزارة التجارة، ومن هذه الأنشطة هناك نشاطان يرخصان من هيئتي المحاسبين والمهندسين، أما بقية الاختصاصات فلا مرجع لها. كما أن دور إدارة المهن الاستشارية لا يتعدى الترخيص، أما الرقابة على الممارسة فغير موجود بسبب غياب المرجعية. ورغم أهمية المهنة، الضوابط والشروط هي مجرد اشتراطات بسيطة تسمح بدخول مهنة الاستشارات لكل من لديه الشهادة العلمية في التخصص، مع خبرة لمدة ثلاث سنوات!
التحرك الذي نحتاجه هو: تشكيل فريق متخصص يجمع الهيئة العامة للمنافسة، وديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وممثلون عن معهد الإدارة العامة، ومعهد الملك عبدالله في جامعة الملك سعود، وممثلون لبيوت الخبرة الإدارية السعودية، ومجلس الغرف السعودية، وربما غيرهم.
هذا الفريق يطلب منه إعداد (تنظيم وطني) يؤدي إلى إنشاء صناعة للاستشارات الإدارية في السعودية، حتى يتحقق لنا توطين الخبرة الفنية، وفتح مجالات عمل جديدة، واستثمار تجربة رجال الدولة والقيادات الفكرية والمهنية التي انتهت إلى التقاعد، والأهم: حماية أمننا الوطني وتوجيه القرارات والمشاريع بمدخلات موضوعية تستمد من احتياجاتنا وواقعنا وتحدياتنا.
من أبرز الملامح الأساسية التي يفترض أن ينظر فيها هذا الفريق عاجلا هو ضرورة وضع آلية لتأهيل الشركات الاستشارية في مكاتب تحقيق الرؤية. وهذا يساعد حاليا في توجيه العقود لتحكمها الاحترافية والمهنية والنزاهة، ويوجد القاعدة للقياس والتقييم، ويضع أسس معتمدة لإدارة عقود الخدمات، فنحن لدينا تجربة فقط في قياس المنتجات.
بناء الخبرة في قياس الخدمات ضروري مع توسع قطاع الخدمات في الاقتصاد السعودي، فعقود الخدمات تحتاج إلى مستوى عالٍ من مهارة الإدارة والتقييم، وإدارة المخرجات، وهذا ضروري للانتقال المعرفي وتوطين الخبرة. واحد مداخل الشركات الاستشارية وتوسع نفوذها الحالي يأتي من ضعف هذه الحلقة، فعقود بعشرات الملايين يتم اعتمادها من (جلسة عرض) لتقديم منهجية العمل والمخرجات، والإشكالية عندما لا يكون المراجعون للمخرجات خبراء أو متخصصين في مجال عمل العقود المطلوبة.
نحتاج أيضاً إلى نظام حوكمة متقدم واعتماد (مفهوم مركزية المخاطر) الذي تعمل به البنوك، وهذا التوجه يكشف أمورًا حيوية، منها: معرفة هل تتركز الخدمات في شركات محدودة، وأيضًا معرفة مدى نسبة التدوير في العقود، وهل العقود تنتج عقودًا، وما هو التكرار الاعتمادي، وهل يوجد قياس لأثر العقود، وهل حجم العقود كبير.
لماذا؟ لأن مكاتب تحقيق الرؤية مطلوب منها (إعداد قرارات ومبادرات) وطنية للتحول وبرنامج التخصيص. الشركات الاستشارية الآن تقوم بدور مهم يساهم في إدارة فكر ومنهجية التحول، ولأجل تعظيم الفائدة منها نحتاج تصميم استمارة لقياس فعالية الخدمات الاستشارية المقدمة في مكاتب تحقيق الرؤية، والمطلوب من هيئة المنافسة قياس مركزية مخاطر الشركات الاستشارية وخدماتها في مكاتب تحقيق الرؤية، ومنصة اعتماد في وزارة المالية تساعد في هذه المهمة.
على المدى السريع، هذا يساعد في معرفة أين تتركز العقود في مكاتب تحقيق الرؤية، ولتقييم الوضع الحالي، فإذا وجد تركز على مستوى الخدمة ومستوى الشركة، فهذا مؤشر سلبي، بل ربما يوصف أنه: خطر وطني!