هدى مستور
أنا موظف ملتزم بعملي، وأؤديه على الوجه الذي يرضي ضميري. علاقتي بكل مديريَّ السابقين ممتازة جدًّا، وكنت محل ثقتهم واستحسانهم. كان لدينا زميل متسيب، وفي الوقت نفسه يضيع الوقت بكثرة نقد المديرين وذمهم في الخفاء ودون علمهم، ولكن جرى تغيير في الهيكلة الإدارية، فأصبح الزميل المتذمر المتسيب مديرنا اليوم! ليست هذه المشكلة.
المشكلة أنه منذ تقلده المنصب الجديد لم يكف عن عادته السابقة: النقد وتوجيه اللوم والارتياب.. ولكن هذه المرة يوجهها نحو الموظفين من تحته باتهامهم بالتقصير والتسيب! وتشجيع الموظفين الذين يرفعون له ما يدور بينهم من أحاديث ظنًّا منه أنهم ينتقدونه ويذمونه.
تحولت بيئة العمل إلى بيئة منفرة وطاردة.. فما الاقتراح الذي توجهونني إليه؟ الانتقال لدائرة أخرى، يعني البدء من الصفر تمامًا مثل الاستقالة من عملي!
أنا لستُ مَن يقترح عليك ببدائل لك، لأسباب:
1- أنت صاحب القرار الأخير.
2- أنت وحدك من سيتحمل تبعات هذا القرار.
3- أنت من تستطيع تقدير الأشياء وإدراك إمكانية توافر البدائل وتوقُّع النتائج، سواء نتائج بقائك في العمل أو مغادرتك.
ويبدو أن قدراتك ضبابية وغير دقيقة نظرًا لانغماسك في دائرة المشكلة. مهمتي تتلخص في تقديم الدعم لك؛ لتتمكن من الرؤية بوضوح، ومن ثم الوصول إلى قرار موفق.
ويفضل تلخيصها في نقاط عدة:
1- اعرف أن بيئات العمل هي صورة مصغرة لجزء مما يجري في العالم من حولك. وأظنك محظوظًا في هذا العالم؛ إذ لم يطرأ عليك ما يمتحن صلابتك ومرونتك إلا مؤخرًا.
2- إن ما يحدث، سواء في بيئة العمل أو غيرها في الغالب، لا نملك القدرة على تغييره، ونعترف بشعورنا أحيانًا بالعجز حيال إصلاحه؛ لذا لا بد من التركيز على الدائرة التي نملك القدرة الكاملة والاختيار الحر حيالها، وهي دائرة أنفسنا.
3- كما يبدو من وصفك، فمديرك الجديد غير متصالح مع نفسه؛ وذلك لشعوره بالانهزامية الداخلية في تنافسه مع الآخرين؛ إذ هو - كما يظهر من حديثك - كان ساخطًا على أداء المديرين السابقين لوهمه بجدارته بهذا المنصب دونهم، ثم لما واتته الفرصة، أو قُل الاختبار، وحلَّ محلهم، لم يستثمرها لإظهار كفاءته وإثبات جدارته، بل عاود ممارسة ما اعتاد عليه من نقمة ونقد واتهام... إلخ؛ وهذا ما يحملنا على التشكيك في صلاحيته للبقاء في منصبه الجديد من جهة، ومن جهة أخرى يراودنا شك في السبب الحقيقي في تنقصه من أداء المديرين السابقين، ثم إنه حين أصبح مديرًا اعتمد على مرجعيته الشخصية وتسيبه السابق لملاحقة الموظفين من تحته بالتهمة نفسها. وهذا كله يكشف عن عمق معاناته النفسية.
4- فَهْم التحليل لنفسية المدير، ولما يدور بعمقه، قد يخفف من شعورك بالسخط والمقت تجاه ممارساته الخرقاء مع الموظفين من تحته.
وهذا يحملك على التعامل معه من منطلق المشفق لا الكاره، الحَذِر لا الخائف، المحتمل لا المتضجر، المعالِج لا الشاكي.
5- قلت إنك لا سلطة لك إلا على نفسك، وحرية اختيارك؛ لذا اختر طريق السلم واليُسر، لا أسلوب المقاومة والرفض. جرب أن تدعو من قلبك لمديرك بصلاح النفس، والحال؛ إذ إنه لم يختر هذا المدير هذه الممارسات غير المهنية إلا لشعور كامن بنقص وخلل بداخله، يحاول بالخطأ ردمه وإخفاءه، والظهور بخلافه.. فساعِدْه أنت بالدعاء لإصلاحه.
6- لا يخفى عليك أن من يتمتع بصحة نفسية وتوازن عقلي يملك قدرة نفسية ومرونة تكيفية، يتفوق بها على غيره في التعامل الذكي مع أصحاب النفسيات المهزوزة. وقد واتتك الفرصة لتبرهن لنفسك ذلك.
فالحياة لا تمتحنك في نجاحاتك في إدارة مهام عملك فقط بل أيضًا تختبرك في مهارتك في إدارة ذاتك ومَن حولك بنجاح.
** **
- لاستقبال الاستشارات راسلنا على البريد الإلكتروني Hoda-mastour@gmail.com