د. خيرية السقاف
بكل المقاييس «الدرعية» التي فتحت صفحات تاريخها، وأشعلت مصابيح سيرة تراثها، ومدت مساحات طموحها استطاعت أن تستوعب كل أطياف الأرض، ليكون القول الفصل: إن الهدف، والطموح إليه لا تحققهما إلا رؤية عميقة، وبعد نظر، وعزم، واتخاذ قرار فاعل..
ومن ثم الحفر، والبناء، فإشراع الباب..
* * *
لم يحدث في الطبيعة أن يتفق كل الناس في كل الأمور، ولا يحدث أن يكون اختلافهم فيها جميعها، لكن يحدث أن يتفق كلّهم على أن الأرض تقلُّهم جميعهم باختلافهم، واتفاقهم، وبأن الفضاءات تتسع لكل أنفاسهم، ما يجعلهم يتعايشون في رضا، وقبول..
* * *
في كل بيت هناك تفاوت بين الأجيال في المفاهيم، والقناعات، والممارسات،
مع أن قواعد البيت قائمة متينة، وسُقُفَه مرتفعة متماسكة، وأرض حجراته، وردهاته، وجدرانه متجذرة ثابتة..
الاختلاف بين الأجيال فيه لا يوقف عجلة السيرورة الطبيعية للحياة فيه، لا يصد ضوء الشمس عنه، ولا يمنع دخول الهواء إليه..
الأبواب فيه يدلف منها الصغير، والكبير لحيث وجهتهم، والحجرات ينزل بها من فيه فرادى، وجمعا..
أوعية الغذاء في مطبخه تمد الجميع منهم، كما أقداح الماء تسقيهم..
البيت هذا برائحته، ودفئه، ووسائده، وجدرانه هو الوطن الصغير..
كذلك الأسرة الكبيرة في الوطن الكبير الناهض، المتجدِّد..
الذي يفتح كل منافذه للهواء من سوره الأيمن للأيسر، ومن مظلته الأعلى للأدنى..
الذي تختلف فيه الأجيال في فوارقها، لكنها تتفق في نسيجها، وتلتحم بأنفاسها!..
الوطن كما البيت..
بحميمية لمسة الجدة العريشة، وضحكة الأم المحضن..
وحكمة الجد الجذر، وحزم الأب الامتداد..
ومحبة الكل للكل البقاء، والديمومة..
والبهجة بالنور، والمطر..