عبده الأسمري
سررت وغيري بتغيير حلة المناهج التعليمية لدينا بعد أن كانت البدايات بإدراج كتاب حياة في الإدارة للدكاترة غازي القصيبي ومن ثم توالت الإضافات التي مرت مرور «الكرام» على شعب لا تفوته شاردة ولا واردة دون إخضاعها للتمحيص والتشخيص ولكن الإعلان جاء مع دخول الاختبارات فنسي الجميع «بشرى المستقبل» في تطوير المناهج الذي جاء متأخرًا وخاليًا من الدسم المعرفي المنشود.. لأن تغييرا يطال مناهج «عتيقة» يحتم الغربلة الشاملة والفلترة المعممة لكل المواد مع الحفاظ على الهوية الأساسية لمواد الدين الذي أرى أن تكون مواد ثقافة إسلامية وتربية دينية وفق المعنى وليس «تلقينا» و»حشوا» يملأ العقول بالحفظ بعيدا عن تطوير الذات وتجديد الأفكار وبلورة المعاني.
فمواد العلوم المتخصصة كالرياضيات والفيزياء والأحياء والكيمياء والجيولوجيا تعج بنظريات ثابتة ومعلومات شبيهة بالتلقين الاحتيالي في ظل بؤس عميق لصفحات مكتوبة وأسئلة مختارة توجه الطالب للفكر المرتبط بالنتائج بعيدا عن صقل مهاراته ومواهبه ومعلومات معززة للحفظ بعيدا عن التفكير والتدبير.. ووسط لغة عربية لا تزال مناهج النحو فيها منصبة على الإعراب ومنزوية وسط معلومات تلقينية لا تعزز مفاهيم التطوير وأدب وبلاغة تستنهض همم الطالب في معلقات الشعراء وتعلقات الأدباء ممن كانوا فرسان جيلهم متجاهلة ثورة الشعر الحديث وربطه بالفلسفة فكان التجديد فيها مطلبا من خلال القصة ولكن الأمر يجب أن يتجاوز ذلك إلى الرواية والنقد الحديث والاستعانة بمنتجات أدبية فاخرة تعزز المفاهيم.. وفيما ظلت مواد علم النفس والاجتماع مواد باهتة تعكس المبادئ الأولى والأسس النظرية.
فيما لا تزال الجغرافيا والتاريخ معالم أثرية تدرس للاحتفاظ بالثبات لتكون شاهدة على الجمود.
في ظل هذا التطوير نحتاج إلى تأسيس مناهج جديدة عن «التاريخ الوطني» الممتلئ بالبطولة في إنجازاتنا الوطنية في ملاحم الوطن في حقبة التاريخية والتركيز على تأسيس البلاد وملاحمها وتحدياتها في وقت لا يزال معظم الطلاب يعرفون مواعيد اليوم الوطني من أجل الإجازة فيما يجهلون تاريخ توحيد الوطن وهذه قضية بل كارثة أنتجتها مدارس التعليم العام التي ركزت على حروب الصليبين والتتار وتناست تاريخ الوطن. اما الجغرافيا فمن المؤسف أن أهالي الشمال لا يعرفون الجنوب وأهالي الشرق يعرفون من الغرب المدن الكبرى فيما وطننا الكبير لا يعرف إلا من التلفاز أو سوالف الأسر والأصدقاء وبين أيدينا تراث وطني وجغرافي مشرف وكبير وعميق يظل خارج أسوار الاهتمام التعليمي.
لا تزال المحاضرات والندوات تعقد عن «التحرش» و»المخدرات» و»التفحيط» و»التنمر» و»العنف» و»حقوق الانسان» فيما مناهجنا التي تنظر اليها الأعين شهورا طويلة وتقرأها الأجيال وتختبر فيها لاجتياز مراحل الدراسة خالية من هذه القضايا فلماذا الوقاية بعد وقوع الظواهر ولماذا التوعية المرتبطة بالتوقيت فيما بإمكاننا أن نؤسس لفكر متكامل عن هذه القضايا والملفات من داخل المناهج.
يتخرج طلابنا ويدخلون الجامعات وهم لا يعرفون التخصصات ولا جهات التوظيف أو الدراسة وتبقى حيلتهم في الاستعانة بصديق أو توجيه الأسرة المتجمد او بحث بائس في قوقل فيما تخلو مناهجنا من مادة واحدة للتوجيه المهني والأكاديمي تختصر مسافات طويلة من البحث وتنتصر لأسئلة تعتمر أذهان الخريجين وتلغي العديد من متاهات الفشل في تخصصات لا توافقهم أو لا تناسب ميولهم.
تشهد الأسر حالات وفاة وكذلك الشوارع والملاعب وكل مواقع العيش فيما لا توجد أبواب أو حتى فصل واحد عن الإسعافات الأولية نظريا وعمليا سوى تعليمهم إياها في أنشطة تمر عليهم من باب المزاح وتأدية الواجب عبثا. نريد إدخال أبواب جديدة وفصول أجد ومناهج أجدى تلبس رداء التغيير والتطوير والتحوير والتسيير نحو إخراج أجيال واعية مستوعبة ومسؤولة تكون المناهج انطلاقا نحو دعم السلوك وإعانة الطالب في دروب حياته العلمية ودروبه العملية خلال المستقبل.