رجاء العتيبي
كنا نتوقع في أزمنة سابقة أن التعليم لم يتطور لأنه لا يوجد إرادة سياسية كافية, ولا إرادة قيادية كافية, ولا عقليات متخصصة كافية, واستمرت هذه القناعة مترسخة في أذهان الكثيرين رغم محاولات متعددة في تطوير التعليم, بدءًا من المبادرات التي تبناها وزير التعليم السابق د. محمد الرشيد -رحمه الله- طوال عشر سنوات فترة عمله, وانتهاء بمشروع تطوير الملك عبدالله للتعليم الذي رصد له (مليار) ريال يشمل أربعة قطاعات: النشاط, والمعلم, والمباني, والمناهج.
برنامج مهارات التفكير الذي تبنته الوزارة في العام 2000م تقريبا أجهض بعد خروج الوزير الرشيد من الوزارة, وانتهى إلى رفوف خشبية مليئة بالتراب لا حس ولا خبر, كان المؤمل من هذا البرنامج أن يُضمِّن المناهج الدراسية مهارات التفكير وعقد من أجل ذلك ورش عمل ولقاءات ودورات وألفت أدلة ومفردات وكتب, والنتيجة صفر بفعل فاعل.
وبقي (التلقين) كإستراتيجية تدريس و(الحفظ) كمهارة, هما السائدتان في مدارسنا لعقود لم تتغير ولم تتبدل رغم كل المحاولات التجديدية التي مرت عليه, ورغم كل الوعي التربوي الذي يرى في عملية (الحفظ) مهارة لا تصنع جيلا ولا تنتج معرفة.
وبعد مرور السنوات وتكشف المستور, رأينا أن التعليم (يراد له) أن يكون تعليمًا تلقينيًّا يخرج (حفَظَة) ليس غير, لا يعرفون سوى قال: (....) وما سواه لا يعتد به, أجيال (موجهة) لا تفكير, لا نقد, لا مراجعة, لا فلسفة, لهذا عرفنا أن (مقاومة التغيير) في أروقة التعليم كانت تقصد بقاء الوضع على ما هو عليه حتى يكتمل مشروع تغيير قواعد اللعبة.
التعليم في السنوات الأخيرة بدأ يأخذ وضعًا أفضل من خلال برامج (تستثمر) في الإنسان ليتخرج منه أجيال تعرف كيف تفكر وتنقد وتعيش باستقلالية, لتتكون لدينا ثروة بشرية تخدم دينها عن وعي بلا حزبية ولا طائفية وتخدم وطنها باعتباره المكان والهوية والحضارة.
مقرر الفلسفة والنقد والقانون نقطة تحول في تعليمنا, وإن جاءت متأخرة إلا أنها خطوة في الطريق الصحيح, يكفي أن وزارة التعليم بقيادة معالي الوزير د. أحمد العيسى أقرتها بصورة نهائية ضمن الرؤية السعودية 2030 التي تعنى بتخريج جيل فيه صفة التفكير والنقد والتنوع, ويعرف أهمية القانون في حياته ويقدر الحرية المسؤولة لا ضرر ولا ضرار.
طالما أن الطالب قادر على التفكير والنقد سيكون أكثر وعيًا وأقدر على اتخاذ القرار وأعمق فهما في معرفة الطريق الصواب من الطريق الخطأ, لن ينجرف وراء العاطفة وحدها, ولن يكون أداة ولا قربانا ولا كتلة نارية يرمي به المتطرفون في أتون الحرب والرايات المتناحرة في بؤر الصراع, سيكون أكثر تصالحا مع نفسه والمجتمع والوطن, وسيختار الدين الوسط بطوعه.