أ.د.عثمان بن صالح العامر
طبعاً في أدبيات اليونسكو -التي أقرت 18 ديسمبر يوماً عالمياً للغة العربية- يتمثل الغرض من هذا اليوم في (زيادة الوعي بتاريخ كل من اللغات الرسمية الست وثقافتها وتطورها. ولكل لغة من اللغات الحرية في اختيار الأسلوب الذي تجده مناسبا في إعداد برنامج أنشطة لليوم الخاص بها، بما في ذلك دعوة شعراء وكتاب وأدباء معروفين، بالإضافة إلى تطوير مواد إعلامية متعلقة بالحدث. وتشمل الأنشطة الثقافية: فرق العزف الموسيقية، والقراءات الأدبية، والمسابقات التنافسية وإقامة المعارض والمحاضرات والعروض الفنية والمسرحية والشعبية. كما تشمل أيضًا تجهيز وجبات طعام تعبيرًا عن التنوع الثقافي للدول الناطقة باللغة، وإقامة عروض سينمائية وحلقات دورس موجزة للراغبين في استكشاف المزيد عن اللغة).
وهو لنا فرصة سانحة لمرجعة حساباتنا إزاء لغتنا العربية التي تواجه تحديا حقيقيا في عالم اليوم، سواء تمثل هذا التحدي في غرس عقدة النقص بنفوس الناشئة العربية جراء تكوين صورة سيئة في أذهانهم عن لغتهم الأم بوصفها لغة عاطفة لا عقل وتحليل، لغة شعر وقصص وخيال حالم لا طب وهندسة وتقنية وإعلام، ومن ثم توجيه الطلاب قصرياً إلى الاهتمام بلغة الحياة والمناصب، أو أن التحدي اللغوي اليوم جاء في صورة انتقاص وإقصاء عن مجال التفاعل العربي مع معطيات الواقع المعيش في ظل مزاحمة اللغات العامية المحكية أو الإنجليزية العالمية ولدى جميع الطبقات وعند كل الشرائح الاجتماعية نخبًا وعامة مثقفين ومتلقين رجالاً ونساءً.
إننا باختصار نعيش معركة لغوية وثقافية حقيقية متعددة المعالم مختلفة الأبعاد تبدو في ظاهرها دفاعاً عن اللغة العربية وحمولتها الثقافية ولكنها في عمقها وجوهرها دفاع عن الهوية والانتماء بل دفاع عن الوجود ذاته في مواجهة رياح التغريب والاندثار، وتظل نخب المثقفين هي الطليعة في هذه المعركة، وهي الكتيبة التي تقف في الصفوف الأولى مدافعة عن هويتنا المجتمعية التي تعد اللغة ركيزة أساسا لها.
إن على كليات وأقسام اللغة العربية ومؤسسات الترجمة ومراكز الأبحاث أن تبذل جهداً حقيقياً في اللحاق بالركب الحضاري، وذلك من خلال الترجمة الفورية لمنجزات العالم العلمية أولاً بأول حتى يتسنى للغتنا أن تكون حاضرة في معترك الفعل التنموي وإلا ستظل في حالتها التي تسوء يوماً بعد آخر جراء التخلف العربي الذي لا يخفى. وحتى لا نبخس العرب حقهم فإن هناك جهودًا مبذولة هنا وهناك إلا أنها تفتقد للتنسيق وترتيب الأولويات من ناحية الأهمية، وقلة المترجم والباحث المتخصص في ذات العلم ولذا يجد الدارس أن من الضروري الرجوع للأصل.
طبعاً المتهم الأول التعليم، يقول «توف شكاتناب - كانغاز: «اللغات اليوم قُتلت، والتنوع اللغوي يختفي بشكل أسرع من أي وقت مضى في تاريخ الإنسان... والذات القاتلة هي العولمة» وينتهي كانغاز في مقولته إلى القول إن: «المدارس ترتكب كل يوم إبادة لغوية، وإن السياسة التي تحيط بهذه القضية غامضة جداً».
إن مساحة التفاؤل بفجر صادق للغتنا العربية لا يكفي في ظل عصر العولمة الصعب الذي أصبح الصراع العالمي فيه ليس صراعاً عسكرياً فحسب بل هو صراع شامل قائم على أربعة أركان (السلاح والسلطة والمال والفكر) وطبعاً لا وجود للفكر دون لغة تحمله وتوصله للغير، والنصر الفكري يتطلب امتلاكنا للغة عصرية متجددة وقابلة للمنازلة الحضارية، قادرة على المنافسة الفعلية في ميادين التنمية المختلفة والصناعات المعقدة والتقنيات المتطورة والأنساق الثقافية المتولدة، والتجمعات البشرية المتنوعة و... فهل ننجح في هذا؟، لعل وعسى، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.