رقية سليمان الهويريني
عانى جيلنا الذي عايش فترة الصحوة من التبعية الفكرية بحكم سيطرة الخطاب الديني المتوحش آنذاك! فأحكام الحرام تغلب على الحلال حتى وصل لطريقة اللبس والأكل. وأذكر أنني وزميلاتي كنا نجلس القرفصاء على الكراسي ونتجنب تناول الأكل بالملاعق ونستبدلها بثلاثة أصابع فقط اقتداءً بالسلف الصالح! وكان التضييق على أنفسنا وطابع الزهد هو الظاهر علينا.
ولم تكن الوسطية مصطلحاً متداولاً، حيث يراها بعض شيوخنا مدخلاً للتفريط، والأخذ بالرخص تهاوناً بالدين! وحين تعود بي الذكرى لأيام خلت، أجد أننا خدعنا باسم الدين والسعي دوماً للالتزام، ذلك المصطلح الذي من خلاله يتم تقييم الناس سواء للعمل أو الزواج أو حتى الصداقة!
وكم من فرص ضاعت على شباب وشابات بسبب التضييق، فلا عمل في بنوك أو شركات بحجة تعاملها بالربا، ولا زواج من حليق أو مسبل مهما علت أخلاقه، ويحظر على الشباب مصادقة مدخن، ويطلب مقاطعة فتاة تهذِّب شعر حاجبيها المتطاير!
وما يشعرني بالقهر حين تعود بي الذكرى أن لا أحد يتحدث عن الفساد المنتشر في ذلك الوقت كاستسهال وضع اليد على الأموال والأراضي والتحايل على الحكومة بالحصول على الصفقات بالتعميد أو كشف عطاءات المناقصات! ويكتفي التاجر بالتبرع للجمعيات الخيرية التي لا تخلو من الفساد أيضاً! ودلالة على ذلك ما تكشفه وزارة العدل من صكوك مزيَّفة، ووزارة البلديات من مشاريع متوقفة، أو طرق متهالكة أو جسور متهاوية!
خدعونا حين جعلوا التدين شكلياً، وكانت المرأة الحلقة الأضعف، حيث تصبر على زوج مدمن لا مسؤول، وحين ترغب في الانفصال يطلب منها الصبر على تحمّل نفقة أبنائها فتضطر لتمد يدها لتاجر يمنحها الفتات على أن يصادر فكرها، فلا تعمل في بنك، وتكون بمواصفات الالتزام الشكلي المطلوب حسب الكتالوج الصحوي!