أصدر الأديب والإعلامي المؤرِّخ الدكتور عبد الرحمن الشبيلي سيرته الذاتية التي أسماها: (مشيناها.. حكايات ذات) وتفضَّل بإهدائي نسخةً منها، قرأتها بتأنٍّ واستمتاعٍ لا يخلوان من التأثر وجدانيًا بما حوته من صنوفٍ شتّى من المعاناة والمكابدة والأحزان التي ولّدت لديه الإبداعات، ودفعته إلى تحقيق الأهداف..
جاء الكتاب في (447) صفحة، وكعادة (الشبيلي) عندما يؤلِّف فإنه يبدع في كلِّ شيء، وتتدفَّق ذائقته المرهفة من خلال الشكل والمضمون، حتى في انتقاء نوع الورق والحرف والغلاف، ليجيء المؤلَّف مريحًا للنَّظر، خفيفًا في اليد، مبهجًا للحواس.
لقد عشت مع رحلته الطويلة أماسيَّ طفتُ وطوَّفتُ خلالها في مساراتها، وسرتُ بي في دهاليزها ومنعطفاتها، حيث انتشت نفسي بربيع رياض أفكار المؤلِّف، وتتبّع خطى مسيرته التي مشاها في طريق المجد، وقادته إلى تسنُّم ذراه متوارثًا إياه كابرًا عن كابر، إنها ليست سيرةً وحسب، إنها سِفر أدبي نفيسٌ راقٍ، أتعب صاحبُه مدوِّني السِّيَر والذكريات وأحاديث الذات عندما يشعرون بتواضع نتاجهم أمام مدوَّنته التي أفرغ فيها عصارة يراعه، وصفوة مكنونات ذاته، فجاءت يانعةً ممرعةً بصنوف شتَّى من الأدب والثقافة والإعلام، بل والوفاء والعِبر، وحتى العَبَرات، كيف لا؟ وهو المتخصِّص في تدوين السِّيَر والمآثر، إن كتابةً وإن أحاديثَ ومقابلاتٍ مسجّلةً غدت مرجعًا ومنهلًا للباحثين والمتتبِّعين لأمجاد هذا البلد الغنيّ بتراثه وتاريخه وأَعلامه.
لقد كشف لنا هذا الإنسان من أهمّ ما كشف - وكلّه مهم- عن نفسٍ أبيّة صابرة محتسبة عندما رزئ في ابنه الشاب الوحيد بالفقد، وما سبقه من أمراض قلّ أن يتحمَّلها شاب مثله، فلم يزده ذلك إلا قوةً وثباتًا واحتسابًا، أما عن تواضعه فقد تمثَّل في إنكار ذاته وهو يدوِّن سيرته الشخصية تواضعًا وعزةَ نفس وأنفةً، عندما نسب ما اجتهد في تدوينه إلى (صاحبنا) الذي هو ذاته الناسب والمنسوب إليه، وذلك تجاوبًا مع لازمته وسجيّته، التي أعهدها فيه عند الكلام عن نفسه، وهذا - لعمري- طبع الكبار.
لا أخفي على القارئ أنني أجهدت نفسي في محاولة العثور عن شيء مما يعتَور الكتب عادة، مثل حرف ساقط، أو همزة مفقودة، أو شدّة مهمَلة، لا لشيء، وإنما لأمتحن مقدرتي في الدِّقة، وأنا المدقِّق!! فلم أظفر بشيء!
إن هذه السيرة بما حوته من مختلف الفنون، ومنها فنون مكابدة الصعاب، ومصارعة الخطوب والرزايا، ومواجهة صنوف الفاقة وشظف العيش، بل والأحزان، كلّ ذلك من أجل تحقيق النجاحات وصولًا إلى الأهداف - ستظلّ سجلًا ناصعًا تستمدّ منه الأجيال العزيمة والقدرة على تخطّي الصّعاب، والقفز صعودًا في سلَّم المعالي والتحصيل والتفوّق.
وليسمح لي أخي الفاضل (الشبيلي) بقول ما قلت، فكلّه من باب الوفاء والتقدير لعلمه وفنّه ومآثره التي تفيض كلّها حبًا واعتزازًا بأمجاد وطنه وفضائل مواطنيه، سائلًا الله أن يمدَّ له في العمر ويمتّعه بالصحة لتقديم المزيد مما لديه، وأن يسعده في حياته الشخصية بسعادة أسرته الوفية.