د.عبدالله بن موسى الطاير
مقاطعة كولومبيا، مدينة واشنطن
أيها الأعضاء المحترمون، إنكم تمثلون الشعب الأمريكي ومنتخبون لإصدار التشريعات ومراقبة أداء الحكومة، تلك هي ديمقراطيتكم ولا اعتراض لي عليها، كما أنكم لم تعترضوا على الوثيقة الموقعة بيننا في 26 أبريل 2005م في تكساس، التي تنص على أن «التغيرات المهمة التي تجري في العالم تتطلب منا صياغة شراكة قوية مبنية على ما تم تحقيقه حتى الآن، من شأنها مواجهة تحديات هذا العصر والاستفادة من الفرص التي ستتاح لبلدينا خلال العقود المقبلة».
إنني أيها الأعضاء أتفهم عتبكم (ربما) على تقصير السعودية في التواصل مع ذواتكم في الكونجرس، ويعلم الله -عز وجل- أنه ليس حطًا من قدركم، ولكن السعودية امتنعت منذ بدأت علاقتها ببلادكم من التدخل في شؤونكم، فلا يحزننكم هذا، ولا تعتبروه تجاهلاً لذواتكم، فذلك مبدأ في السياسة الخارجية السعودية التزمت به؛ وهو عدم التدخل في شؤون الآخرين، مع علمها بأنكم تستطيعون دعوة رؤساء أجانب للحديث في الكونجرس رغماً عن الرئيس، كما فعلتم مع الرئيس باراك أوباما؛ عندما اكتشف ذات صباح أن بنيامين نتنياهو يخطب في الكونجرس بدون علمه، وكما تفاجأ الرئيس ترمب بدعوتكم رئيس مخابرات دولة أجنبية من ورائه.
فروزفلت لم يستأذن الكونجرس عندما قال ذات مساء إنه يتطلع إلى أن يناقش السعوديون والأمريكيون مشاكلهم كأصدقاء، وهي وصية ربما لم يسمع عنها الكثير منكم، ولست هنا بصدد تقديم دروس في التاريخ لحضراتكم.
كما أن الرئيس نيكسون عندما كسدت التجارة، وتراجع الإنفاق، وأجدبت الدولارات وجفّت منابع الخيرات، ولم يعد بينكم وبين أن تتخلوا عن كل شيء لصالح عدوكم الاتحاد السوفيتي عام 1974م إلا صبيحة نهار، لم يستأذنكم وأرسل على عجل وزير خزانته للرياض في مهمة حياة أو موت، فأنقذت السعودية اقتصادكم، وعادت الحياة لورقة دولاركم التي أوشكت على السقوط، وكتم عنكم الاتفاق أربعة عقود، فما ذنبنا أنكم آخر من يعلم؟
أيها الأعضاء المحترمون، نحن دولة ملكية، نتمتع بالحكم الرشيد -وهذا هو السائد في بلادنا- ولا ننبهر أبداً بالديمقراطية التي تتحدثون عنها، ومع ذلك فقد كنا نلتمس لكم العذر حين نسمع من بعضكم ما يؤذي مسامعنا من الأكاذيب، ونصمت لأننا نعرف؛ بعضكم يصطادون الناخبين بشتمنا، وحتى بعد وصولكم للكونجرس كنتم تشاركوننا الغداء خلف الأبواب المغلقة، وفي المساء هناك منكم من يشتمنا على شبكات وسائل إعلامكم.
أيها الأعضاء المحترمون، إننا نقدر إنسانيتكم، ومشاعركم الرقيقة، ودموعكم التي سكبتموها حزناً -كما تدعون- على زميلي جمال خاشقجي -رحمه الله- وعلى أطفال اليمن. وفي هذه الأوقات أذكركم أن بلادكم كتبت في التاريخ أسوأ جرائم ضد الإنسانية منذ المحرقة النازية التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء من أبناء عمومتنا اليهود في أوروبا، جرائمكم أيها السادة في سجن أبو غريب، وغوانتنامو، قلعة جانغي تذكر ولا تنسى.
لقد أسستم لحقبة جديدة أراقت دماء الأبرياء وأهدرت كرامة الإنسان وأصبحت قاعدة ورخصة للقتل منذئذ.
أيها الأصدقاء.. لن أتحدث عن معركتنا المشتركة ضد الإرهاب، ولا عن دور بلادي في استقرار أسعار النفط، ولا عن محافظتها على منبر الحرمين الشريفين من الخطاب المتطرف. ولن أطلب من بعضكم الصمت، ولا التوقف عن التأليب على أنظمة الدول المستقرة؛ فذلك طبع بعضكم، والطبع يغلب التطبع، ولكني أقولها مخلصًا، ومحبًّا لبلدكم: لا تغتالوا حلمنا، ولا تحوّلوا شبابا يمثلون 70 في المائة من الشعب السعودي إلى أعداء لكم، لا تضطرونا إلى ما نكره، فالصمت الذي نواجه به حملات بعضكم المغرضة هو من باب معرفتنا بأن الكلمة التي تصدر عنا تغيّر مجرى التاريخ، الأمير محمد بن سلمان ملهم الشباب -ليس في السعودية وحدها- وإنما في البلاد الإسلامية، وعندنا القائد هو الوطن بزعامة الملك سلمان، فلا تزيّن لكم الشياطين المساس بهم.
وتقبلوا تحياتي.