عمر إبراهيم الرشيد
ترتبط عملية الحفظ باللياقة العقلية ونشاط المخ لدى الإنسان، فكلما زادت عملية الحفظ لديه ازدادت لياقة عقله وكان الدماغ في حالة تطور في طرق التفكير والعمليات العقلية بشكل عام. والمقصود بالحفظ هنا هو كل ما يهم الإنسان في حياته الروحية والمادية، بدءاً بالقرآن الكريم مروراً بالمعرفة والثقافة العامة، وانتهاءً بما يحتاجه أحدنا من حفظ أرقام هواتف وعناوين وغير ذلك من معلومات. وبدءاً بالقرآن الكريم ومنه تتضح عدة أمور قد تغيب عنا، وهو أن حفظ آياته وسوره تعود على عمليات المخ والذاكرة لدى الإنسان بالتحفيز واللياقة الذهنية ثم جودة الحفظ بشكل عام، ومن ثم الحماية بعد الله تعالى من مرض الخرف أو ما يسمى طبيا بـ(الزهايمر) حسب بعض الدراسات، وهنا وجه شبه بين هذه العملية واللياقة البدنية والرياضية وأثرها على صحة الجسم وحمايته من أمراض الضغط والسكر والقلب وغيرها عافانا الله وإياكم.
وهنا أتوقف معكم عند عملية الحفظ، وهي أنه من الأجدى منح العقل والذاكرة تحديداً الثقة لأنها تعود إيجابيًا على الذاكرة، فعند تسجيل رقم هاتف مثلا يحسن بنا حفظ الرقم مع تدوينه وعدم الاتكال على التسجيل كلياً، لأن في هذا أبعاداً للكسل العقلي ومن ثم قوة الذاكرة. وفي القرآن الكريم مثلاً، وبما أن الكثيرين يقرأون سورة الكهف في كل جمعة تقريباً اقتداءً بالسنة النبوية الشريفة، فإن كثيرين منهم لا يدركون أنهم يحفظون كثيراً من آياتها إن لم يكن كامل السورة، ذلك أن الذاكرة المؤقتة، كما في الحاسب الآلي، تحتفظ بالسورة بسبب تكرار قراءتها في موعد ثابت أسبوعياً وهذا ما يساعد في ترسيخها في عقل وذاكرة القارئ بشكل أعمق. فما عليهم إلا تأكيد حفظها في الذاكرة الفعلية لا في (العقل الباطن) فقط.
وفي تجربة شخصية عدت إلى سور قرآنية كانت ضمن المقرر الدراسي في فترات التعليم العام المختلفة، وقد نسيتها مع تعاقب السنين، لكني حين عدت لحفظها وجدت استعادتها أسهل، وربما يعود ذلك إلى أنها كما قلت موجودة في تلافيف وغياهب المخ وكانت بحاجة إلى استعادة، تماماً كما نرى في عمليات الحاسب الآلي واسترجاع معلومة أو صورة أو ملف من وحدة المعالجة الرئيسية ورفعها إلى الذاكرة النشطة وتنظيم المستندات.
أما بالنسبة للمعلومات والمعرفة العامة، فيحسن قبل الرجوع إلى كتاب أو محرك بحث، محاولة استرجاع المعلومة بينك وبين نفسك أو تخمينها، فحتى لو تبين خطؤك فإن اعتياد هذه العلمية أمر مفيد جداً لعقلك وذاكرتك، لأنه في حالة كانت المعلومة طبقاً لتخمينك فإن هذا يعطي ثقة لذاكرتك لتعيد لك هذه الثقة على هيئة حفظ أجود وسرعة في استرجاع المعلومة، وفي هذا عون لك عند الحديث مع غيرك أو أمام الناس، أو في مقابلة شخصية للتقدم لوظيفة، وحتى أمام كاميرا تلفزيونية أو ميكرفون إذاعي، طابت أيامكم وإلى اللقاء.