عبد الرحمن بن محمد السدحان
يشهد البيتُ اليمنيُّ الشقيقُ منذ نحو ثلاثة أعوام أو أكثر كارثةً لا أحسبُ أن لها نِدًّا ولا مثيلاً، بدأتْ بتصدّع سياسي.. وانتهت بانهيار دموي مُرِيع لا يُبقِي ولا يَذَر!
***
قبل سنين خلتْ كانت هناك (وحدة)، جمعت بين شمال ذلك الكيان وجنوبه. وقد فرح الكثيرون بميلادها انطلاقًا من المخزون المتفائل في الوجدان العربي، وامتدّ ذلك إلى القول بأن اليمنَ الشقيقَ بجناحيْه، باتَ قادرًا على التحليقِ في فضاء المحبة والألفة والإنجاز المشترك، ومن ثم ستزدَادُ وحدتُه قوةً وعزمًا وتصميمًا للسير على ذلك الصراط المستقيم!
***
كان تفاؤُل الكثيرين بذلك الحدث السعيد يُنبئُ في حينه ببشائر الخير للوطن الشقيق، بفضل التجاور الجغرافي، والتجانس في الإرث الاجتماعي والإنساني الذي كانت تَسْتظلُّ به تلك الوحدة، إلى جانب منظومة من الآمال والطموحات نحو غدٍ تنمويّ أفضل للإنسان اليمني، ينسيه شظفَ السنين، وعبثَ الأيام، وانشطار النفوس ذات اليمين وذات الشمال، وكان ذلك كافيًا في التقدير المتفائل، للتأهُّلِ لغدٍ أنعمَ عيشًا، وأنزه نوايا، وأجزل إنجازًا!
***
نعم.. لقد عاش معظمُ الإخوة اليمنيين تجربة (العرس الوحدوي) وسط عاصفةٍ من العواطف المسيَّرة بحسن الظن، وتمنينا لهم يومئذٍ التوفيقَ في (عشِّهم الوحدوي) الجديد.
***
ومرت فترةٌ من السنين قبل أن يطويَ (شهرُ العسل) السياسي رواقَه متأثِّرًا برياح الخُلْف بين الأشقاء وتباين الغايات، وتبدأ طفيليّاتُ الشَّرخ تتسلّل عبر ثقُوب الرواق الوحدوي؛ لتنذرَ بغدٍ مشحونٍ بالفتن والانقسام، وتُطِلُّ أنيابُ الحرب الأهلية بنيرها ونارها مستهدفةً الأرواح والأملاك والطموحات التي تُؤْويها الصدور. وقد قيل يومئذٍ، مثلما يقال الآن، إن السبب في انهيار (العشّ الوحدوي) ربما كان بسبب عدم (التكافؤ) بين بعض الأطراف المعنية بالبنية الوطنية والمصير، بدْءًا بالفرقاء المعنيين به، والتنابز في المصالح والغايات! ثم، تسَلّل التدخُّلُ الإيراني المذهبيّ الخبيث في منظومة الخلاف بين الأشقاء؛ ليُشعلَ المزيدَ من النار العشوائية في صدور الأبرياء، وازدادت وتيرةُ العدَاوة والبغضاء بين رفاق الأمس بانضمام الجَبْهةِ الحوثيةِ الرديئةِ مطامعَ وغايات، بدْءًا بتأييدِها للتدخُّل الإيراني، لغرض انتهازي بحت، ومصادرة الغنائم لصالحها، وتُقَاد البلادُ بموجب ذلك إلى نفق مسدود!
***
وتتوالى تداعيات الانهيار السياسي بين (إخوة الأمس)، ليحكِّموا (النار) فيما شَجَر بينهم، ويغْدُو اليَمنُ الواحد (يمنيْن)، ويخفت صوتُ العقل والحكمة وسط رعد المدافع و(شلالات) الرصاص من كل صوب، وأنّات الجرحَى والثكلى والأيتام!
***
واليوم نتساءل من جديد، وسط هدير الألم البالغ: ماذا أعطت الحرب اليمنَ؟ وماذا أخذت منه، بعد أن أتَتْ على الأخضر واليابس، وأفنتْ من الأرواح ما اللهُ به عليم؟!
***
والردُّ على ذلك السؤال: لا شيءَ.. سوى المزيد من أشلاء الضحايا، وصيحات الجرحى والمشردين!
لا شيءَ.. سوى المزيد من البأس واليأس، وغياب أمل الأمس بميلاد يمنٍ جديد. ونسأل الله العليَّ العظيمَ أن يجْعلَ من بعدِ العُسْرِ يُسْرًا؛ كي يَعُودَ اليمن موحّدًا وسعيدًا كما كان!