يوسف المحيميد
هذا اللهاث اليومي الذي نعيشه على مدار اللحظة، لهاث العمل، الأسرة، والأصدقاء، الإعلام المرئي، الجديد، تويتر وحشوده الإلكترونية التي تقود الهاشتاقات كل ساعة، الواتساب والوشايات التي لا تنتهي، مجموعات الواتساب الضاغطة بالشائعات التي تبثها كل دقيقة، سنابشات والثرثرة اليومية السطحية لأشخاص قفزوا فجأة فوق شهرة مجانية ورخيصة، ملاحقة اليوتيوب لأبصارنا حتى كأنه يداهم أحلامنا في النوم، هذا الضجيج الذي لا آخر له، متى ينتهي؟
قبل عقدين تقريبًا، ومع بدايات أجهزة المحمول، كنت أشيد بنظام الرسائل الباهظة آنذاك، وكان أحدهم يقول لي سيآتي زمن تصبح خدمتك بالحماية من الرسائل التي تنتهك خصوصيتك خدمة لها مقابل مادي، ولم أستوعب نظرته تلك، لكننا الآن نحتاج، وبشكل ملح، إلى أن نحتمي لو مؤقتًا من سطوة هذا العصر الرقمي، ونقاوم استلابنا اليومي، كي نتمكن من ممارسة الحالات الإنسانية الطبيعية من التفكير والتأمل والهدوء!
قد يكون من المريح لصحة الإنسان، وجهازه العصبي، الكف عن استخدام الأجهزة المحمولة لساعات، وربما اختيار يوم أو يومين في الأسبوع، للتوقف عن متابعة معظم المحتوى السطحي الذي تبثه قنوات التواصل هذه، ولن أنسى الشاب الأمريكي جون، المحرر في بنغوين، حينما قابلته في نيويورك، وفوجئت أنه لا يستخدم التقنية، ولا يجيب إلا على بريده الإلكتروني وخلال ساعات العمل فقط، أما شقته الصغيرة، وهي عبارة عن ستوديو، فمكان للنوم والراحة والقراءة والتأمل، وهذه الطريقة من التنظيم والتخفف من ضغط التقنية هو أمر مهم في حياة إنسان العصر الرقمي.
أكتب ذلك، وأنا أدرك التسهيلات العظيمة المتحققة من التقنية، وهذا التحول الرقمي المذهل، لكنها يجب أن تدخل حياتنا اليومية بتعقل مستمر، وتوازن دائم بين الحياتين الحقيقية والافتراضية.