د. خيرية السقاف
من المفارقات المدهشة ما يحدث للإنسان المعاصر وهو يتلقى ما يدلقه عليه دلو المتغيرات من حوله فتغرقه المقارنات التي تلف كالدولاب به..
فكثير هذه المتغيرات جديدٌ يستثير إيقاظ التعود من كمونه فيه، ويحفز فيه حيوية التفكير في مزيجها الغامر..
فتظهر له أوجه المقارنات في أعمدة تتوالى على أديم واقعه في قوائم خصائص هذه المتغيرات، بالأفكار التي تزدحم بها مكوناته المدرِكة..
هذا التفكير، وهذه المفارقات وما عنها من المقارنات، يأتي في أولها أي مضاد لمعرفته المسبقة، يتساءل هل كل الذي تعود عليه صحيحًا، نافعًا لحاجاته الحياتية كي يحقق ولو جزًا يسيرًا من غاياته من السعادة؟ أو أنه كان جلادًا لهذه السعادة، يقبرها في هوة تراكمية؟؟
وأن السعادة مرهونة بالمتغيرات التي أصبحت مكوناً أوليًّا في قائمة خطط الحياة في زمنه المتحرك؟!
هو يعرف لونين فقط الأبيض، والأسود، فكل فسيفساء تكوينه مزيجًا منهما، لكنه يعرف أيضًا أن بقية الألوان بمزجها تهيء له ما يحب من الألوان، ويرضى بمزيجها، مع أنه شغوف بالأبيض فسعادته الغامرة أن يحتويه!..
في كل المفارقات التي تتشكل في حياته الآن، تحضر بها متغيرات ما حوله في سبلٍ مشاعة فيها المقارنات..
سؤاله الكبير يوقد به على فنجال قهوته: هل أيضا سيتغير لون القهوة، ومذاقها لتكون السعادة أوسع، وأوثق؟!..
هذا شأن المرء ذاته..
إنه اختبار له ليحسن اختيار اللون الذي يحقق له سعادته الدائمة، وينميها، فالألوان تتعدد، ومفارقاتها تُولِّد المقارنات عن كل ما يحدث في الحياة من متغيرات قصدية، وناموسية،
غير أن نتائج التفكير فيها منوطة بالمرء ذاته، بوعيه، ومداركه، وخياراته، ومعمل أبنيته، وروافدها..
فالسعادة ليست في الأبيض المطلق، ولا التعاسة في الأسود المطلق، حين يتعكر البياض بذرة، ويسكن السواد في المقْلة..