د.عبدالله مناع
فوجئ العالم والمعنيون بـ(النزاع) الفلسطيني الإسرائيلي خاصة.. في العشرين من شهر نوفمبر الماضي.. بـ(نبأ) صحفي نُقل عن مندوب (إسرائيل) لدى الأمم المتحدة: (داني دانيون).. بـ(أن إدارة الرئيس الأمريكي «ترامب».. أبلغت إسرائيل عن خطة سلام أمريكية جديدة للنزاع في الشرق الأوسط)، و(إنها ستعرض خطتها المنتظرة للسلام في مطلع العام الميلادي القادم)..؟!
وقال (دانيون) للصحفيين -كما جاء في النبأ- بـ(أن خطة السلام - هذه - «اكتملت»!! وأن الإدارة الأمريكية ناقشت مع إسرائيل توقيت الكشف عن مضمونها)، وأضاف قائلاً: (وبحسب ما نعرف.. فإنهم يتحدثون معنا عن بداية عام 2019م التي ستدخل قريباً)، وأضاف: (إننا لا نعلم تفاصيل الخطة، ولكننا نعلم إنها «اكتملت»!! وأن موعد مطلع العام القادم.. سيسمح لـ «ترامب» بتقديمها دون التدخل في الجدل السياسي الداخلي في إسرائيل).. بل وحدد (دانيون) - كما جاء على لسانه في ذلك (النبأ) - موعد الكشف عنها وعن تفاصيلها، وإنه (سيكون في الربيع القادم.. بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة إجراءها آنذاك)..؟! وكأن (الخارجية الأمريكية) في إجازة، وكأن (مندوبتها) لدى الأمم المتحدة.. هي الأخرى في إجازة!.. لينوب عنهما (داني دانيون) في نقل ذلك الخبر المثير لـ(العالم) أجمع!!
لكن (الصحيفة) التي نقلت عن (داني دانيون) تصريحاته عن هذه الخطة الأمريكية الجديدة للسلام.. أشارت في ختامها إلى أن (الفلسطينين قطعوا علاقاتهم مع إدارة ترامب بعد قراره في ديسمبر الماضي بنقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إلى «القدس» واعترافه بها عاصمة لإسرائيل)..!! كما أوقفت الإدارة الأمريكية مساعدات الفلسطينين التي تزيد عن ستين مليون دولار)، والتي يذهب معظمها لمنظمة (الأونوروا) لرعاية وتعليم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي إشارة تنقل تصريحات المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة (داني دانيون) من دائرة (تصديقها) إلى دائرة (تكذيبها).. أو (التشكيك) فيها على الأقل.. واعتبارها من (الإسرائيليات) الكاذبة تاريخياً..!!
صحيح أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس.. رفض قرار الرئيس ترامب بـ(الاعتراف بـ»القدس» الشرقية عاصمة لإسرائيل... بما يمليه عليه واجبه الوطني والتاريخي والنضالي، كما رفضه العالم أجمع والأمريكيون أنفسهم)، ودعا إلى سحب رئاسة اللجنة الرباعية الراعية للسلام في الشرق الأوسط منها.. باعتبارها وسيطًا غير نزيه! وأوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.. كما دعا المجتمع الدولي والدول الكبرى المعنية بـ(السلام) في الشرق الأوسط.. إلى البحث عن «آلية» جديدة لرعاية السلام في الشرق الأوسط.. وإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.. بديلاً عن (اللجنة الرباعية) لرعاية سلام الشرق الأوسط.. بل والتقى في فبراير الماضي بالرئيس «فلاديمير بوتين» في موسكو لبحث تلك الآلية الجديدة.. إلا أن شيئاً لم يظهر على سطح الأحداث، وبقي الحال كما كان عليه..!
وفي المقابل.. فإن الرئيس دونالد ترامب، الذي عُرف عنه خلال عاميه الأوليين في (البيت الأبيض) - وإن لم يسكنه وظل في بيته في فلوريدا - السرعة في اتخاذ القرارات وفي الرجوع عنها.. كـ (قراره) بـ(رفض حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام)، الذي ظهر على لسانه في الأسابيع الأولى من ولايته وكان قد ظهر من قبل عام 2002 م في ولاية جورج بوش الابن ووزير خارجيته المحنك (جيمس بيكر).. والذي اعتمدته دول العالم أجمع كـ(حل) وحيد للنزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي الذي أرّق العالم، وطال أمده.. فقد بلغ مائة عام من (وعد) جيمس بيلفور وزير خارجية بريطانيا (المحافظ) في نوفمبر من عام 1917م.
لكن الرئيس ترامب.. السريع والمتقلب في قراراته، والذي أعلن انسحابه من (اتفاقية المناخ) التي اعتمدها سلفه الرئيس أوباما.. ورعتها العاصمة الفرنسية «باريس» أيام الرئيس الفرنسي السابق (فرانسوا هولند).. أعلن أيضًا خلال زيارته لـ «نيويورك» في شهر سبتمبر الماضي لحضور الدورة الثالثة والسبعين لـ(الجمعية العامة) للأمم المتحدة.. عن تراجعه عن تصريحاته السابقة بـ(رفض حل الدولتين).. وإنه لا حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلا بهذا «الحل»!!.. وإن ذلك سيجري تنفيذه خلال الشهور القليلة القادمة، وهو ما يصب في مصداقية ما نُقل عن (داني دانيون) المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة... وخطة السلام الأمريكية) الجديدة التي أعلنها نيابة عن (الخارجية الأمريكية)، ومندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة!!.. إلا أنه ألبسها ثياباً (إسرائيلية).. حتى بدت كما لو أنها (نكاية) بـ(الفلسطينيين)، الذين تمردوا على (الإرادة الأمريكية وقاطعوا إدارة الرئيس ترامب، واتهموها بأنها وسيط غير نزيه في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.. بهدف إرجاعهم إلى (بيت الطاعة) الأمريكي.. في انتظار خطة السلام الجديدة التي سيعلنها الرئيس ترامب في ربيع العام القادم (2019 م)..!
وفي كل الأحوال.. ولأن (ترامب) ليس هو «كينيدي»، وليس هو - حتى - «بل كلينتون»: الرئيسان الديموقراطيان السابقان المتعاطفان مع (الحق) العربي.. بل هو الأقرب في أدائه السياسي للرئيس (هاري ترومان) الذي اشتري بـ»الأموال» الأمريكية أصوات ثلاثة عشر دولة للتصويت لصالح تقسيم فلسطين.. فإن (الخطة) التي سيعلنها الرئيس ترامب في ربيع العام القادم ووفق (حل الدولتين) الذي عاد إليه في أكتوبر الماضي.. فإنها لن تعطي الفلسطينيين (دولتهم) الشرعية على حدود الرابع من يونيو عام 1967م،.. إلا أنها ستعطيهم في النهاية (دولة) بـ(المعيار) الأمني الإسرائيلي؟!
ولذلك.. فإن على الفلسطينيين إن أرادوا أن يكون لهم (وطن) اسمه (فلسطين)؟!.. فإن عليهم أن يكفوا عن (مهزلة) خلافاتهم حول (المصالحة الوطنية) بين (فتح) و(حماس)، التي أرهقت الزعامات العربية من الأصدقاء والمقربين في (إتمامها) و(استمرارها).. حتى أصبحت (متوالية): الاتفاق عليها في المساء.. والاختلاف عليها في (الصباح) مضحكة العالم وموضع سخريته!! فلم يعد الخلاف وسط السعار الإسرائيلي والدعم الأمريكي المتصاعد.. خلافاً حول عدد الحقائب الوزارية التي تخص هذا الطرف أو ذاك.. لكن تعدت آثاره السلبية التي لم يحسن (الفتحاويون) و(الحماسيون) قراءتها وبكل أسف.. إلى (الوطن) الفلسطيني نفسه - بين البقاء في (جغرافية) أرضه.. أو رحيله إلى صفحات (التاريخ)!؟، لتقرأ - الأجيال القادمة عن وطن عظيم اسمه (فلسطين).. قتله أعداؤه.. وأعان على قتله أبناؤه!!