حمّاد السالمي
«كان قَدر القبائل العربية - المتناثرة والمتناحرة - في عصر ما قبل الإسلام؛ أن تقع جغرافيًا بين ثلاث إمبراطوريات كبيرة: الفارسية من الشرق؛ والرومانية من الشمال، والحبشية من الجنوب. لقد بسط الفرس سيطرتهم على العراق واليمن أكثر من مرة، وبسط الرومان سيطرتهم على الشام وأجزاء من العراق مرات عدة، وبسط الأحباش سيطرتهم على اليمن أكثر من مرة.
«هل كان في وسع هذه الإمبراطوريات الثلاث- رغم قوتها وسطوتها- أن تذل العرب، وتحكمهم؛ لو لم تجد من بين العرب أنفسهم من يدلّهم ويُدلي بهم ويعينهم على بني قومه..؟ خاصة وأن العرب كانوا أهل كرامة وشهامة، وشيمة وشكيمة، وبأس شديد. ظهر هذا في الحروب التي كانت تقع فيما بينهم. دلّنا على ذلك ما حُفظ من أشعارهم، وما دون من تاريخهم. ومن حروب العرب الكثيرة والشهيرة قبل بزوغ فجر الإسلام؛ والتي كانت عربية.. عربية في معظمها: حرب البسوس التي دامت 40 سنة، وحرب الأوس والخزرج التي دارت رحاها 140 سنة، وحرب بني أصفهان 77 سنة، وحروب الفجار سنوات عدة، وحروب أخرى كثيرة.
«ما كان للفرس، ولا للروم، ولا للأحباش وقت ذاك؛ أن تطأ أقدامهم ديار العرب؛ لو لم يكن هناك خونة وأذناب من بين العرب أنفسهم. هذا واحد من هؤلاء الخونة المشاهير في التاريخ. إنه: (أبو رغال). شخصية عربية خائنة. كان هو الدليل العربي لجيش أبرهة الحبشي القادم من اليمن لهدم الكعبة المشرفة في مكة. يوصف بأنه رمز للخيانة، حتى كان العرب ينعتون كل خائن عربي بـ (أبي رغال)..! واستهداف الكعبة بالذات؛ قُصد به إهانة العرب دينيًا وعقديًا، بعد أن أهينوا جغرافيًا واجتماعيًا، وفرضت عليهم كعبة بديلة هي كنيسة: (الغُليس) في صنعاء.
«ما إن جاء الإسلام؛ حتى وصل بنوره إلى كل الأقطار داخل الجزيرة العربية وخارجها، وقرع بقوة أبواب إمبراطوريات فارس وروما والحبشة. ثم ظهرت للعرب بدينهم الجديد إمبراطوريات أكبر وأوسع، تبلورت بداية في العهد النبوي الشريف، وجالت وطالت في العهدين الأموي والعباسي؛ حتى شملت أراضي فارسية ورومية وحبشية. إلا أن (أبا رغال) لم يمت، وخيانته تأبى أن تموت. فقد ظهر في دنيا العرب من جديد: (أبو طالب.. محمد بن أحمد بن علي، مؤيَّد الدين الأسدي البغدادي، المعروف بابن العلقمي 593- 656ه/ 1197- 1258م)، الذي قال عنه الزركلي: (هو وزير المستعصم العباسي، وصاحب الجريمة النكراء في ممالأة هولاكو على غزو بغداد، اشتغل في صباه بالأدب، ووثق به المستعصم، فألقى إليه زمام أموره، وكان حازمًا خبيرًا بسياسة الملك، كاتبًا فصيح الإنشاء).
«استغل ابن العلقمي ثقة الخليفة فيه، وخطط للإجهاض على الخلافة العباسية على ثلاث مراحل. فقد أضعف الجيش الإسلامي، وراح يكاتب التتار، ونهى عن قتالهم، في الوقت الذي كان فيه يثبط الخليفة والرعية.
«بعد دخول التتار لبغداد ومقتل آخر خلفاء بني العباس؛ عمد هولاكو إلى تعيين العلقمي حاكمًا من قِبل التتار على بغداد، مكافأة له على خيانته العظمى..! وكان هذا بعد أن فتك التتار وفجروا في قتل سكان بغداد؛ فتراكمت الجثث فوق بعضها حتى تعفّنت، وخرج منها التتار لبعض الوقت خوفًا من الأمراض، فقال الواعظ محمد بن عبيد الله الكوفي وهو يشاهد تلك المأساة:
إن تُرد عبرة فتلك بنو العباس
حلّت عليهم الآفات
استُبيح الحريم إذ قُتل الأحياء
منهم وأحرق الأموات
«خيانة عربي أودت بخلافة عربية..! هل توقف حبل الخيانات عند زمن أبي رغال، ومن بعده العلقمي..؟ إنها سبعة قرون أو تزيد قليلًا؛ هي ما يفصلنا عن تلك المأساة التي تسببت فيها خيانة عربي لعربي، ولا أقول مثلما يردد المتعصبون مذهبيًا، من أن هذا شيعي وهذا سني، ولكن العلقمي عربي مثله مثل أبي رغال العربي، وعشرات أو مئات وآلاف من العرب على مر تاريخهم؛ الذين خانوا أماناتهم، وباعوا أهلهم، وقدموا أوطانهم لقمًا سائغة لأعدائهم.
«مَن مِن العرب في عصرنا الحالي؛ يخون أهله، ويبيع أرضه، ويتقمص شخصية أبي رغال والعلقمي..؟ ذلك أن سطوة الفرس والترك على وجه خاص؛ بدأت تظهر في أجزاء وأنحاء من وطننا العربي الكبير..؟ ليس كل العراقيين ولا السوريين ولا اللبنانيين ولا اليمنيين ولا القطريين؛ هم (رغاليون وعلاقمة). لا.. قلة من العراقيين والسوريين هم الذين مكّنوا ملالي إيران من الوجود في العراق وسورية، وقلة من اللبنانيين هم من جعلوا لإيران مليشيا تقتل وتخرب في لبنان باسم حزب الله، وقلة من اليمنيين هم من رهنوا مصير اليمن لإيران باسم الحوثية وأنصار الله، وقلة متنفذة من القطريين هم من باعوا بالرخيص مصير ومقدرات شعب قطر لتركيا وإيران وحزب الإخوان الشياطين. الخيانة العربية.. العربية شيطان أكبر.
«أيها الإخوة العرب المعاصرون في أوطانكم من الخليج إلى المحيط، ومن بحر العرب إلى جبال طوروس.. فتشوا عن (الرغاليين والعلاقمة الجُدد)؛ الذين يخونون عروبتهم، فيبيعون أهلهم وأرضهم للأعداء المتربصين بكم ليل نهار.. ستجدونهم حتمًا. احثوا في وجوههم التراب، فهذا يكفي.