د. حمزة السالم
القمار هو الميسر على الأغلب أو بعضا من ميسر، فالأغلب أن الميسر هو شرك القمار. ولكن خروجًا من الخلاف، اقتصرت على القمار، فالمقام أضيق من أن نخوض في تفاصيل القمار وعلاقته بالميسر الذي جاء في القرآن. وفي تحريم القمار، أحاديث تحريم صحيحة تغني عن آيات تحريم الميسر في القرآن، كحديث أبي هريرة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا اللّه ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق)، متفق عليه. وعن بريدة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه). رواه أحمد ومسلم وأبو داود. والنرشيد هو النرد.
وعلة تحريم القمار، والله أعلم هي الحظ، والمعاوضة عليه سبب لازم لوقوع حكم التحريم. فكل شراء أو بيع للحظ، أو معاوضة بمنفعة عليه، أيًا كانت الأداة، فهو قمار. فالنرد والمراهنة في الألعاب الرياضية والمتاجرة غير المدروسة بالمشتقات والعملات وألعاب القمار بأنواعها، والمسابقات التلفزيونية المدفوعة من قبل المتسابق، وشراء اليانصيب، كلها عمليات شراء صرف للحظ.
وأما اللعب بأداة حظ بلا معاوضة بمال أو منفعة، فهو قمار لا يحرُم، لتخلف السبب اللازم لوقوع الحكم، وهو المعاوضة. وبطرد ما سبق:
فالخمر مجرد شكل وعائي يحوي السكر، ليُمكن شربه. وعلة تحريم الخمر بالنص هي السكر، وسبباه، اثنان: الأول وعاؤه الذي يحوي مادة الإسكار -وهو الخمر هنا والابتلاع بشرب أو حقن أو استنشاق أو إدخال، هو سببه الثاني، والأسباب تتعدد وتتغير، لا كالعلة متفردة ثابتة.
وكذلك هي أدوات القمار، مجرد أوعية تحوي الحظ، ليمكن شراؤها وبيعها.
فعلة تحريم القمار هو الحظ. وسبباه الأول: أداته التي تحوي الحظ، وبذلك تخرج المراهنة بعوض على من يدرك مقدرته أو علمه أو خبرته فهذا جائز، والأحاديث في جوازه صريحة. والسبب الثاني وهو سبب لازم: المعاوضة عليه، كبيع للحظ وشراؤه. وبذلك تخرج أي ألعاب بالحظ بلا عوض.
وجعل الحظ علة لتحريم القمار، متوافق مع قواعد العلة المستنبطة من العلة النصية التي نص عليها الوحي في تحريم الخمر.
فعلة السكر متعلقة بالخمر لا بالشارب، وكذلك هي علة الحظ متعلقة بالأداة لا بالشخص. فلو جادل شخص أنه يعرف نفسه بأنه لا يُهزم مطلقًا في قمار، قلنا ثم ماذا؟ فالعلة متعلقة بالأداة. وهذا بخلاف لو أنه جادل بأنه عليم بالعلم المُراهن عليه، فهنا لم تتحقق علة الحظ، لمخالفتها القاعدة.
وعلة السكر المنصوص عليها، جاءت في الشيء لا في فعله، وهو شربه. وكذلك الحظ فهو شيء، والفعل هو التقامر.
وعلة القمار كعلة الخمر في الثبات. فما زال قمارا بشراء الحظ، مهما اختلفت الأزمان والبلاد والشعوب.
وكما أن السكر علة متفردة في الخمر، فالعلل لا تتعدد، فكذلك هو الحظ علة منفردة في القمار.
ولا يرجع الحظ على القمار الذي نزل فيه النص فينقضه.
وعلة القمار هنا محددة بكونه حظ محض، وذلك عكس علة الخمر في تحديدها بالقليل المُسكر. لأنه متى داخل القمار علم في جوهر عملية القمار، خرجت من التحريم. فعلم أبي بكر بانتصار الروم، هو جوهر عملية المراهنة، لا الظن المحض.
وكما هي علة الخمر، فلا يوجد نص شرعي، سببًا كان أو شرطًا أو مانعًا، يتعارض مع الحظ كعلة للقمار. وقد سبرت أشكال القمار على ما أقدر عليه، قديمًا وحديثًا، فلم أجد إلا اطّرادًا منضبطًا لها في الأصل وفي الفرع، والله أعلم.