الثورة الفرنسية هي نواة كل الثورات الحديثة هي الأساس الذي توالدت من خلال مفاهيمها الكثير من التغييرات التي اجتاحت العالم فيما بعد .
عام 1798 اشتعلت الثورة على مبادئ ليبرالية خالصة وشعارات براقة كالعدالة والمساواة وقيم الحرية المختلفة، أدى ذلك إلى سيطرة البرجوازيين ومجموعة من العمال على المشهد الحياتي في فرنسا أعقبه حالة من تصدير الثورة وقيمها في صور استعمارية وكان نابليون هو عرَّابها في ذلك الحين .
اليوم الشارع الفرنسي يشهد حراكا غريبا، مصدر غرابته أنه ضد الاستبداد في معقل من معاقل الحرية والتنوير في العالم الغربي المتطور فكريا وسياسيا واقتصاديا ! .
المواطن الفرنسي اليوم يثور على قيم الديمقراطية الغربية ويراها نوعا من أنواع الاستبداد التي تجعله مضطرا إلى مقاومتها والتخلص من تبعاتها القاسية والتي انعكست على حياته ومعاشه اليومي .
حركة القمصان الصفراء بدأت احتجاجاتها على الوقود وأسعاره التي أعلنت الحكومة رفعها ،الرئيس الفرنسي ورئيس وزرائه وحكومته يخضعون لطلبات أصحاب القمصان الصفراء ويجمدون قرار رفع الأسعار . ماذا بعد ؟الاحتجاجات تأخذ منحى آخر وتظهر مطالب إصلاحية جديدة ولعل أهمها المطالبة باستقالة الرئيس الفرنسي المنتخب (ماكرون )
وهنا تأخذ هذه الحركة الغريبة منعطفا جديدا يتمثل في ارتفاع سقف مطالباتها وتشعرك كمشاهد بحراكها وعبثها أنك في بلد من بلدان العالم الثالث .
من خلال نظرة استقصائية مجردة من كل التأثيرات الإعلامية مؤصلة بالإنسان وظروفه واحتياجاته في كل البقاع وعلى امتداد العصور نجد أن الفرنسيين يشكلون أهم منعطف في تاريخ العالم الغربي الحديث، فرمزية المكان والإنسان تجعلنا نشعر أن العالم الغربي قد يكون على أعتاب تغيير جذري خطير ،هذا التغيير مرده إلى تردي الأوضاع المعيشية للناس هناك، وهذا يرفع شعارات الظلم وعدم المساواة ويشحن الناس تجاه الطبقات التي تتمتع بهامش كبير من التصالح مع القوانين تجعلها الكاسب الأكبر اقتصاديا واجتماعيا في بلد كان وما زال يفخر ويفاخر بمبادئ العدل والمساواة .
الشعب في فرنسا يريد إسقاط الديمقراطية في نموذجها الرأس مالي البغيض والذي زاد الأغنياء غنى والفقراء فقراً.
فوكوياما الياباني المعتق بقيم الليبرالية الغربية الحديثة صرح من خلال كتابه ذائع الصيت ،نهاية التاريخ والإنسان الأخير، أن الليبرالية وقيمها ومفاهيمها هي المآل الأخير للإنسان نظاما وأيديولوجيا وإطار حياة ،لأنها الأفضل والأعظم والأجدر لحفظ حقوق البشر .
اليوم الفرنسيون يعيدون تصحيح هذا المفهوم وربما الانقلاب عليه وهنا يحضر السؤال :مامعنى أن تنتفض فرنسا على إرثها العريق وماهي انعكاسات ذلك على القارة العجوز والعالم الغربي وخاصة أن رمزية المكان والزمان توحي أن الديمقراطية الغربية بمفاهيمها الليبرالية العتيقة تمر بمنعطف حاد وخطير قد لا تمر منه سالمة وإن مرت فهو مرور يجعلها عرضة للسقوط نهائيا على يد فكرة فرنسية نقيضة صفراء فاقع لونها تسر البعض وتسوء آخرين
** **
- علي المطوع