يحتفل العالم عامَّة والوطن العربي خاصَّة بلغة الضّاد هذه الأيَّام المباركة باليوم العالمي لهذه اللُّغة العربيَّة مستعرضين خلال هذا اليوم إرثها التّاريخيِّ ومتفاخرين بواقعها ومكانتها بين اللُّغات الأخرى ومكافحين عن مبادئها الثابتة ومستقبلها الواعد فإنهم يتباهون بهذا اليوم العالمي شعور فطري وحق مشروع لكل قطر عربي على هذه الأرض المعمورة يتحدثون بلغة كتاب الله الكريم فهي لغة القرآن العظيم وضمير الأمة ومرآتها الحضارية وتراثها المجيد الذي يتجسد من خلاله البيان العذب والهدف البديع والمعنى الرائع حيث تبرز فيه أبجديات البلاغة والفصاحة ولقد صمدت هذه اللُّغة العربيَّة قرونا عديدة أمام التيارات المعادية وكذلك المصطلحات المتنوِّعة وذلك بفضل الله وكرمه وانفتاحها المستمر أمام الثقافات والحضارات الأخرى - فإن عالمنا العربي الكريم مملوء طموحا وغيرة وحباً وحماساً وشجاعة للإصلاح لهذه اللُّغة العربيَّة العريقة ولكنهم أحياناً لا يدركون تمام الإدراك ماذا يعملون وكيف يعملون أمام تلك التيارات والمعوِّقات المختلفة واللهجات المتعدِّدة وهي تسود وطننا العربي الكبير بكامله فمن المتطلبات الأساسية لرقي المجتمع العربي وصلاح شأنه العام فهو بناء الفرد العربي وحثه على التّمسك بلغة الضّاد وتشجيعه تعلماً وتحدثاً وكتابتاً وتفعيل زمام المبادرة لمن يخدم هذه اللُّغة العريقة بتفان وحرص واهتمام وعناية وذلك من أجل خلق بيئة خصبة وتوضيح الرؤية العامَّة والخاصَّة لهذه اللُّغة العميقة بين أفراد الأمَّة الواحدة بشكل ميسر ومبسط - علماً أن الإصلاح بشكل عام يعتبر عسيراً لأن الأمة تحتاج إلى تغيير الرُّوح السائدة بينهم وهذه الرُّوح متأصلة في الأعماق ومتوارثة منذ عهود طويلة فإن تغيير الأرواح أصعب من تغيير الأشكال والألوان والأجساد ولكن يجب على الأمَّة والجهات المعنية في اقطار وطننا العربي أن لا يتقاعسوا ويجب عليهم أن يعتقدوا أن بإمكانهم ومحاولاتهم الجادة الإصلاح وغرس هذه اللُّغة في نفوس أفراد الأمَّة وإن لم يكن شاملاً فإن إصلاح المعوج وتغير الرُّوح والتاريخ يدل دلالة واضحة على أن كثير من شتَّى أنواع الإصلاح في هذا الوطن الكبير كان فكرة نبتت في رأس فرد من أفراد الأمة فإن فكرة المحاولة وغرسها بين أفراد المجتمع نادى بها أفراد قليلون ثم اضطهدوا واضطهدت أفكارهم ثم نجحت الفكرة وكادت أن تعم العالم.
إن الرُّوح السائدة بين المفكرين في الشّرق اليوم هي روح النقد والهدم والشكوى من الحاضر قد يكون حسناً ولكن يجب أن يكون بجانبها روح الإنشاد والتعمير والبناء.
حيث إن اللُّغة العربيَّة تحتوي على نصوص وقواعد وأحكام واشتقاق مالا تحتويه لغة أخرى - ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول - لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً وأكثرهم ألفاظاً والعلم باللغة عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه.
فإن التشكيك في تراثنا اللغوي والأدبي والرجوع إلى اصطناع العامية من الأمور التي ينبغي على أبناء وطننا العربي التصدي لها بحزم وقوة فقد نقل أسلافنا من اللُّغات التالية من اللغة الهندية واللغة الرومانية واللغة الفارسية كلمات عديدة قاموا على تعريبها فالواجب على علماء اللغة العربية وآدابها في وطننا العربي الكبير مواجهة الغزو اللغوي والتطور المستمر وتنمية اللُّغة العربيَّة وتهيئتها لمواجهة ذلك التيار القادم وعندما تستكمل لغة الضّاد بأدواتها من حيث الألفاظ الموضوعة وأساليب التفكير وصياغة المعاني صياغات متعددة فإنها أدخل للذهن وأقبل للعقل وأجمل في الذّوق كما قال بعض الدعاة حيث إنها من أغنى اللغات وأجملها على الاطلاق فهذا القول يدل دلالة واضحة على شدة الارتباط بين اللغة والعقل واللغة والخُلق وإن العقل واللغة كلها تتفاعل فإذا رقيت تلك اللغة تبعها نوعا - ما - رقي العقل والخلق وإذا رقي العقل تبعه نوعا - ما - رقي اللُّغة والخلق وهكذا إن احتفال اليوم العالمي للغة الضّاد فهي مفخرة لكل عربي في وطننا العربي الكبير فهي مبادرة للنزول إلى ميدان المجتمع للمشاركة الفعّالة في هذا اليوم العالمي السّنوي ورد جميل في بناء الأوطان ثقافياً وحضارياً واجتماعياً وأدبياً وفنياً لترجمة مشاعر وطنية.
وختاماً - ليست العبارة خاتمة بل أمنية كل فرد من أفراد الأمة العربيَّة أن نحافظ على لغتنا الجميلة تعلماً وتحدثاً وكتابتاً وذلك من أجل تعزيز الشّعور بالانتماء لهذه اللُّغة العربيَّة وذلك عطفاً على ما تم انجازه وليكن هذا اليوم العالمي يكتبه تاريخنا وذلك من أجل الوقوف على تعزيز مكانة اللغة العربيَّة لدى الفرد العربي وليكن هذا اليوم العالمي ذا أهمِّيَّة كبيرة وأمانة وحدثاً ثقافياً وطنياً يروى فَيُحتذى.
والله الموفق والمعين
** **
- عبدالعزيز صَالح الصَّالح