جاء إيمانويل ماكرون لرئاسة فرنسا في مايو 2017 بعد سقوط هولاند، وقد كان غير معروف؛ ولا أحد يعلم كيف فاز بـ 66.1 % من الأصوات؛ إلا أنه قدم نفسه منقذاً لفرنسا من الغرق بالأزمات الكبرى!. ولكن الإنقاذ من الأزمات الكبرى لا يمكن إلا بتغييرات كبرى. فهل ماكرون قادر على اتخاذ القرارات «الكبرى»؟
من الواضح أن تراجع ماكرون أمام حركة «السترات الصفر» الاحتجاجية؛ وإلغاء ضريبة «الوقود أو الكربون» التي أشعلت الشارع؛ دليل قاطع على عجز ماكرون ومن معه عن السيطرة على الشارع. كما أن التراجع ألهب الشانزليزيه أكثر من ذي قبل؛ وامتد لينتشر في أنحاء فرنسا. أما كون فرنسا جزءًا من الاتحاد الأوروبي فليس مستبعداً أن تنتشر الاحتجاجات في أوروبا كلها.. وهذا ما يفسر توجس دول الاتحاد وانهيار «أنجيلا ميركل».
لم يكن أحد ليتوقع أن حركة احتجاجية تتحول في أوروبا؛ خلال أربعة أسابيع؛ إلى انتفاضة؛ ويوجد بها من الزخم ما قد يحولها إلى أكثر من ذلك!. ففرنسا مهد الثورة التي قادت عصور النهضة والتنوير، والتي ألهمت القارة العجوز والبشرية كلها بقيم تحرير الإنسان من استبداد العبودية والاقطاع، والانطلاق لبناء دولة المؤسسات والثورة الصناعية، ليس بعيداً عنها أن تقود مشعل التغيير مرات ومرات.
الحركة الاحتجاجية هذه ليست سوى شرارة ستتبعها نيران، فالرأسمال الفرنسي كما غيره من رؤوس الأموال الأوروبية، انجر للهث وراء الربح وارتهن للرأسمال الأمريكي المنهار. ثم نسي أن الارتهان هو ضياع السيادة، وأن الطغمة المالية أو ما يسمى «الأوليغارشية» هم فرنسيون بالجنسية وحسب، ولا يهمهم من أجل الربح أن يبيعوا فرنسا و»مستعمراتها» للرأسمال الأمريكي.
يقول معظم الاقتصاديين الأوروبيين والأمريكان وغيرهم: أن السوق «الحرة» بمفهوم رواد الثورة الفرنسية قد انتهت منذ بداية القرن التاسع عشر، وأن الرأسمال الاحتكاري أو ما يسمى بـ«الإمبريالية» قد امتص دماء الشعوب في المستعمرات أولا، ثم بدأ بامتصاص دماء الشعوب المتقدمة ذاتها!.
بيد أن الإمبريالية كانت وما زالت تتستر بأقنعة أخفت قبحها ردحاً من الزمن مثل (الخطر الشيوعي، الراديكالية، نظرية المؤامرة، الليبرالية الجديدة، التطرف، حقوق الإنسان... إلخ) أما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وسقوط الأقنعة، لم تستطع الإمبريالية تغطية عورتها ببعبع «الإرهاب»، بل بدأت بإشهار إرهابها وتعلن بكل وقاحة: نعم سأنهبكم وليس لكم حق الاعتراض. لقد تنبأ نعوم تشومسكي- أستاذ علم اللسانيات في جامعة ماساتشوستس- منذ أحداث وول ستريت 2010 أن الإمبريالية ساقطة لا محالة، وأن الشعوب الأوروبية لن تستكين لمصاصي الدماء بعد سقوط الأقنعة.
** **
د. عادل العلي