حاورها - محمد المرزوقي:
أقامت «صالون بديعة الثقافي» في كندا، الذي كان يجتمع إليه المثقفون والمثقفات من العرب والغرب، ليأتي «صالون بديعة الثقافي بجدة»، امتدادًا لنشاطها الثقافي عبر هذا لمسار المجتمعي.. تكتب القصيدة العمودية، والتفعيلة، ونظمت قصائدها باللغة الإنجليزية، وترجمت العديد من قصائدها إلى الإنجليزية، إلى جانب كتابة نصوص (زجلية)، تفكر في نشرها في سيرتها الذاتية، التي ستجتمع فيها تجربة الشاعرة والكاتبة بديعة داوود كشغري، التي صدر لها سبعة دواوين، إلى جانب مشاركتها المحلية والعربية والعالمية.
قالت عن بواكير قراءاتها الثقافية والأدبية: كانت مكتبة أخي المنزلية، التي أشبه ما تكون بمكتبة (عامة) للأسرة، زاخرة بالمترجمات الأدبية العالمية، يقوم أخي على شؤونها، وطريقة «الإعارة»، التي كان يفرضها علينا، سواء في عدد الكتب التي نستعيرها، أو المدة التي كان يحددها لنا لإعادة الكتاب، ومن ثم استعارة آخر منه، وبما أنه لا يمكن الوصول إليها إلا من خلاله، ولأننا أشقاء عشرة، فكان يطلب منا تسجيل الاسم والكتاب المستعار، ومدة استعارة الكتاب!
* تتعالق «السيرة مع الرواية»، إلا أنك أحدثت في ديوانك تعالقًا للقصيدة مع السيرة، فبم تصفين هذا التعالق (الشعر/سيري)؟
كتبت ملامح سيرتي شعرًا، كمدخل لسيرتي التي أفكر في كتابتها بشكل أوسع، فهذه النصوص الشعرية، التي حملت اسمي، هي نصوص وجدت فيها وقفات ومنعطفات، وومضات لمحطات في حياتي، ما يجعل من كل (حرف)، بمنزلة الإشارة إلى تاريخ معين في حياتي، ما جعل من هذه القصائد لمحات من سيرتي، التي جمعتها وعنونتها، إذ لم أتصنع كتابة قصيدة بهدف (هجائية) اسمي أو اسم عائلتي، ومع ما تقدمه قصائد هذا الديوان من لمحات «سيرية»، إلا أن كتابة سيرتي تحتاج إلى تفرغ تام لإنجازها، دون أن يزاحمها عمل آخر.
* اتخذتِ من (هجائية: ب د ي ع ة - ك ش غ ر ي)، ما هو أبعد من عناوين نصوص المجموعة، وعتابتها، فكيف تصفين الحرف بوصفه عنوانًا بين رمزية المعنى ودلالة السيرة؟
تجاوزت الحروف مسألة العناوين، ودلالاتها كعتبات للقصائد، إلى ما يشبه السطوة التي جعلت من كل حرف بمنزلة إطار لشرفة وإطلالة على محطة من محطات حياتي، إلى ملامح مرحلية، وإلى شخوص، وإلى محرضات قادتني إلى اختيار نصوص المجموعة، التي انسجمت مع فكرتي في هذا الديوان، إلى جانب نصوص كانت تحمل عناوينها حروفًا، قبل شروعي في فكرة هذا التصنيف الهجائي.
* إذا ما اتخذنا من قصيدة «الشين» أنموذجًا لهذا التعالق، فماذا عن أجواء هذا النص وفضاءاته؟
شفّ الشفا
رغم الجبال الشاهقة
وشفى فؤادي.. من مسافات الجفا
بين السنين الحارقات
الباسقة
شأن كشأن العاشقين
شقيّة!
كل اشتباكاتي انضوت
تحت الشتاء
تشرّدت أشجار عمري
والغصون بها شحوب!
فهذه القصيدة من أعمق نصوص الديوان رمزًا، فـ(للشين) دلالات عدة، وكل دلالة لها من العمق الكثير في نفسي، فأول معاني الشين وأكثرها دلالة كونه يرمز إلى اسم أمي (شمسية) رحمها الله، إلى جانب دلالة القصيدة إلى مسقط الرأس «الطائف»، فعبر أشرعة «الشين»، شدني الشوق لطائف الأشواق، إثر العودة من لغة «الشمال»، وشتاء النفي بكندا، فأشرق في شعث العمر (شمسية النور)، أمي، وملكوت حبي!.
* وماذا عن كتابة قصائدك باللغة الإنجليزية، وبم تصفين تجربتك في «ترجمتك» لقصائدك من العربية إلى الإنجليزية؟
كتبت العديد من قصائدي باللغة الإنجليزية، ولم أترجمها إلى العربية، كما ترجمت مجموعة من قصائدي التي كتبتها بالعربية وترجمتها إلى الإنجليزية، خلال إقامتي في كندا، إذ وجدت أن ترجمة العمل الإبداعي ليس بالأمر السهل، بل مسألة مركبة ومعقدة التفاصيل، فبالرغم من إتقاني للعربية والإنجليزية وأنا أترجم لنفسي، إلا أنه يمكنني القول: إن هناك قصائد ربما تكون ترجمتها سهلة مقارنة إلى نصوص أخرى، خاصة عندما ترجمت بعض قصائدي ذات البعد الفلسفي، التي وجدتها رغم ترجمتي بأنها عصية على الترجمة، فبرغم أنني أترجم من «داخل» نصي، إلا أنني خرجت بقصيدة أخرى، ما يجعلني أما مفاجأة حجم الفارق شكلاً ومضمونًا، عندما يقوم مترجم آخر بترجمة مثل هذه النوع من النصوص الإبداعية، والشعرية تحديدًا، الأمر الذي جعلني استعين بأحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة أتاوا، وهو مستشرق مسلم، وشاعر وفنان تشكيلي أيضًا، وفائز بالعديد من الجوائز الإبداعية، «باتريك وايت «، لأستطلع رايه فيما ترجمت، الذي أشاد حينها بما ترجمت، إذ كتب في مقدمة ديواني: (لأول مرة أتعرف على الشعر السعودي، من شاعرة اسمها بديعة كشغري)، كما رسم - أيضًا - غلاف ديواني «الزهرة العصية».
* ما العتب الذي سرعان ما يلفت انتباهك؟
عتب القصيدة عليَّ عندما أقاطع كتابتها، لكونها الصديقة التي لا يمكن أن تهجرني!
ما دلالات المحطات المكانية التالية في ملامح سيرتك؟
الطائف: مسقط الرأس ومنبع الأحلام.
جدة: محطة الدراسة الجامعية، وجامعة الأقارب!
الظهران: ملامح العشرين عامًا، التي تعني عقدي التطوير والإنجاز العملي والتفاعلي مع المجتمع من حولي، وانطلاقة مسيرة الإنتاج الشعري، إذ أصدرت ديوانيين، خلال إقامتي بها، وأنجزت فيها أغلب ثالث دواويني.
كندا: ملامح متسعة، وفضاءات متضادة، ومجاهيل متناغمة، فبالرغم من كل ما شكلته من فضاءات ثقافية رحبة التنوع، مختلفة المشارب والأطياف من عرب وأجانب، ومحطة إنتاج، إذ أصدرت ثلاثة دواوين خلال إقامتي في كندا، إلا أن العودة لوطني ظلت حنينًا يلازمني لعشقي الأبدي!
* ختامًا.. ما الذي سيشغل إنجازه اهتماماتك في مقبل الأيام؟
أتمنى أن أكمل ما كنت أكتبه من موضوعات تتعلق بأركان الإسلام الخمسة، باللغة الإنجليزية، بهدف التعريف بالإسلام، التي بدأتها خلال عملي في أرامكو، قبل أن أسافر إلى كندا، إذ كتبتها بأسلوب سهل مبسط، استهدف حينها أكثر من (26) جنسية من غير العرب، التي كنت أنشرها حينها في مجلة قافلة الزيت آنذاك، كما أتنمى إنجاز إخراج دواويني في (الأعمال الكاملة)، وإخراج ديواني «الأحرف التي هي أنا: ملامح من سيرة ذاتية»، في ديوان صوتي.