إن صيرورة المُلْكِ واستدامته في عقد البيعة على الطاعة لأكثر من قرن وعقدين من الزمن لعهد لم ينازعهم عليه أحد لا من داخل البيت السعودي الحاكم ولا من خارجه؛ لأن الملك المؤسس عبدالعزيز شد أطناب ذلك المُلْكُ وأرسى دعائمه على قاعدة الدين الحنيف ذمة وعهداً والتزاماً أوجب لهذا المُلْكَ الرضا والقبول والحمد، وعززه أبناؤه الملوك من بعده فأصبح المُلْكَ لله ثم لعبدالعزيز منذ دخول الرياض وإقامة المملكة، وحتى يومنا هذا ما زالت القلوب تجتمع إلى حكم آل سعود في بيعة واحدة جامعة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل بعين الرضا والقبول والحمد والدعاء: «بأن الله يعزهم ولا يعز عليهم»، و»أن ينصرهم على من عاداهم»، و»أن يحفظهم ولا يغيرهم»، و»أن الله يرزقهم البطانة الصالحة»، و»يطول بأعمارهم» وغيرها من الأدعية العفوية الدارجة على السنة الجميع وخاصة كبار السن من الشيوخ والعجائز والعوام لأنهم عرفوا حقيقة هذا المُلْكِ وسيرة هؤلاء المُلوك الفذة التي ليس بأقلها بعد توفيق الله ذلك الأمن الذي نعيشه بحمد الله ومنته، والذي توارثه الآباء عن الأجداد والأبناء عن الآباء، والأحفاد عن الأبناء.
والبيعة في المُلْكِ السعودي بيعة دعوة سلمية عمادها التوحيد والسمع والطاعة، لم يتنازعها عبر تاريخها الطويل نزاعات أو صراعات أو قتال كما حدث في بعض الممالك والدول، إذ إن المُلْكَ وهو أعلى منصب في هرم الدولة لم يكن في يوم من الأيام مطلب أو غاية من النفس، أو رغبة جامحة، أو لذة عابرة، إنما في تكوين بنية أساس المُلْكِ السعودي تكليف وقدر ومسؤولية وأمانة ثقيلة عظيمة الشأن.
والبيعة مصطلح ديني سياسي عرفه المسلمون منذ بيعة العقبة الأولى في مكة المكرمة، وما تلاها من بيعات على مر التاريخ الإسلامي، كما أن هذه البيعة لها أساس في دولة المدينة المنورة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده، وتشكل البيعة في مفهوم المُلْكِ السعودي منهج الحكم الإسلامي الواضح إذ يمثل عقدًا سياسيًا ملزمًا بين الحاكم والمحكوم والملك والرعية، وهي فكرة إسلامية عظيمة الشأن، وهي تعد رأس الشرعية، وهي صيغة واضحة وصريحة للحكم، وقد احتفظ بها المُلْكُ السعودي منذ تأسيسه الأول وحتى يومنا الحاضر في دورة المُلْكِ السعودي منذ دخل الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ,.. وهي الدولة الأوحد التي ما زالت تحتفظ بهذا الركن الأساس منذ تأسيسها الأول كارتكاز وأساس للحكم والمُلْكِ على المستويين الديني والمدني. والرسول -عليه الصلاة والسلام- استعمل كلمة: (من في رقبته بيعة) مما يدل على أنها عقد بين الحاكم والمحكوم لا يشبه في مضامينه وبنوده العقود المدنية الحديثة، لأن البيعة بمثابة حبل معقود حول المبايعة، لا يجوز شرعًا فكه والتحلل منه إلا بشروط حددها الشرع الإسلامي، وقد تخلت عن البيعة الدولة الإسلامية الحديثة والمعاصرة بعد تبنيها لأنظمة وقوانين قائمة على فلسفة غربية، وقد بدأت أول بيعة تاريخية في الدولة الإسلامية الأولى بما يعرف باتفاق الدرعية بين الإمامين المحمدين: محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب، ثم استمرت البيعة لأئمة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة التي أسست هذا النهج بإعلان مراسيم البيعة بالإجماع دونما تأخير أو تعطيل أو اختلاف أو حدوث أية نزاعات أو صراعات داخل البيت السعودي الحاكم، حيث يأتي الإعلان بعد إعلان نبأ ونعي وفاة الملك رسميًا وحتى قبل مراسيم تشييعه والصلاة عليه ودفنه.
واليوم نحتفل بالذكرى الرابعة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والذكرى المائة وإحدى وعشرون في تاريخ البيعة لملوك المملكة العربية السعودية وفي تأصيل شرعي قائم في الأساس على شرعية الدولة، واختصاص مسؤوليات الحكم في أبناء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء ويُبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، «حسب المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم»، والتي أضيف إليها: ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس حسب التعديل في الأمر الملكي رقم (1-256)، وتاريخ 26-9-1438هـ الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
** **
- فهد بن عبدالعزيز الكليب