محمد آل الشيخ
والمتأسلمون هنا أعني بهم المنتفعين من الإسلام واستغلال الحلال والحرام في تحقيق غاياتهم الدنيوية والسياسية، سواء كانوا من متأسلمي أهل السنة أو من متأسلمي الشيعة، فلا فرق في تقديري بين هؤلاء وأولئك، وإن اختلفوا في الأصول والمنهجيات العقدية، فرغم أنهم يقرون على المستوى الخطابي المعلن أن المخدرات من النوازل المحرمة شرعاً، التي عرفها الإسلام في مرحلة لاحقة على مرحلة النبوة، إلا أنهم اتفقوا على أنها من الوسائل المذهبة للعقول والمضرة بالأبدان، واعتبر أغلب الفقهاء أن تناولها لا يمكن أن يتفق مع الدين الإسلامي ومقاصده العليا، وهذا حسب علمي ما يصرحون به في خطاباتهم المعلنة. غير أنهم، وأعني المتأسلمين حسب التعريف الذي ذكرت سابقاً، يعتبرون من كبار المتعاملين فيها، إما بزراعتها أو الاتجار بها؛ بل إن الحركات المتأسلمة الثورية كما تقول الدراسات والبحوث تعتبر من أكبر من يمولون بها أنشطتهم السياسية الإرهابية، أو كما يسميها بعضهم (الجهادية)؛ ولبعض فقهائهم تخريجات مفبركة في إباحة الاتجار بهذه الآفة المدمرة للفرد والمجتمع، واشترطوا لإباحتها (إذا كانت على سبيل الاضطرار، وتنفق في أعمال جهادية)، كما ذكر ذلك أحد أساطين فقهاء حركة طالبان. كما أن من الثابت أن جزءًا كبيراً من تمويل حزب الله اللبناني، شيعي المذهب، يأتي من هذه التجارة إن في الداخل اللبناني أو في العالم، خاصة في بعض بلدان أمريكا الجنوبية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنهم يُبيحون الاتجار بها لتمويل حركاتهم الإرهابية، ولكنهم يحرمونها على كوادرهم والمنتمين إلى حركاتهم. وهم في ذلك مثل القرضاوي، فقيه الإرهاب الأول، الذي يبيح قتل النفس بغرض إيذاء المعارضين له، ويحرمه على أبنائه وأقاربه.
كما أن هناك فرقة تدعي أنها إسلامية كانت تبيح لأتباعها كما تقول الروايات التاريخية، توظيف نبات الحشيش المخدر في تنفيذ العمليات التي يسمونها جهادية، وقد اصطلح على تسمية هذه الفرقة باسم (الحشاشين)، وكان مقرها كما تقول الروايات التاريخية (بلاد فارس).
من هنا نستطيع القول إن التأسلم السياسي، والمنتمين إليه، قد أحدثوا في دين الإسلام ما ليس منه، سواء من خلال إباحة الاتجار بالمخدرات، أو بإباحة قتل النفس التي حرمها الله -جل شأنه- في آية محكمة الدلالة.
ولعل هذين الأمرين الجللين، هما من أهم الإدانات التي يوجهها العام للحركات العنفية التي سيست الدين، وعلى رأسهم طبعاً أمهم جميعاً (جماعة الإخوان الإرهابية)، فنقلت مفهوم دين الإسلام من كونه (رحمة للعالمين) كما جاء في الذكر الحكيم، إلى أن أصبح وبالاً وشرًّا على العالمين.
ومن المضحك المبكي أنني منذ سنوات كنت في نقاش مع أحد الشباب المتحمس والداعم للتأسلم السياسي الحركي، الذي كان يسميه (الإسلام الجهادي)؛ قال لي حينما عرضت عليه هذه الطوام التي يقترفها الجهاديون المتأسلمون: (هناك قاعدة فقهية تقول ما لا يتم الواجب به فهو واجب) ثم أضاف: (الجهاد وإعلاء كلمة الله من أوجب الواجبات التي لا يجوز للمسلم التراخي في تنفيذها، وتمويل الجهاد بهذه الطريقة يكون حلالاً، إن لم يكن واجباً، إذا لم يجد المجاهدون وسيلة إلا هذه الوسيلة).
وأكاد أجزم أن هذا التعليل الذي قاله صاحبنا هنا هو الذي يردده المتأسلمون لأتباعهم، وإن لم يفصحوا به للعلن.
إلى اللقاء