د. حمزة السالم
نصَّ الشرع على مقادير وأنصبة زكاة بعض من الأموال وسكت عن بعض. فنصَّ على زكاة الذهب، والفضة، والثمار والزروع والإبل، والبقر، والغنم والماعز، والركاز. وما عداها من الأموال، فاختلفت الأمة فيها.
والأموال المنصوص عليها في الزكاة لا تشكل شيئًا من أموال الناس اليوم، كما كانت لا تشكل شيئًا يُذكر في أموال المسلمين بعد انفتاح الدنيا عليهم بعد العصر النبوي. فعدم القياس على المنصوص عليه يستلزم تعطل الركن الثالث في الدين اليوم. فهذا يكفي دليلاً على نقض قول الظاهرية ومن لا يرى القياس في الزكاة.
والقياس إنما يكون في الأموال، فهو قياس يدخل في باب المعاملات لا العبادات.
وقد جاءت النصوص بوجوب زكاة أنواع من الثمار والزروع حين نتاجها، لقوله تعالى {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، فليس فيها واجب موسع لحول كالأنعام.
فتجب الزكاة في كل ما تنبت الأرض من الحبوب والثمار والأعشاب وغير ذلك. سواء كان مطعومًا أم لا، كالصمغ. وسواء كان قوتاً أم لم يكن قوتًا، وسواء أكان يُكال أم لا، وسواء أكان مما يُدخر أو لا يُدخر. فقد جاء القرآن بهذا الإطلاق، وأكدت معناه السنة. فقول الله تعالى {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ويفسره قوله سبحانه، الحديث العام الصريح الذي رواه البخاري، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَال: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، فالحديث عام في كل نبات يخرج من الأرض.
فالعلة في كون الثمار والزروع مالاً زكويًا، هي الحصاد بمعناه الشرعي الضيق المقصور على ما تنبت الأرض. (كحصر الربا الشرعي في معناه الضيق).
فكل ما يُحصد مما تنبت الأرض فهو مال زكوي، تجب فيه الزكاة متى دخل عليه السبب -وهو النصاب-، وقابل الشرط -وهو سقيا السماء أو الأنهار ونحوه-، وهذا شرط في النبات لا في العلة، فالعلة تُنتقض إذا أتى شرط في أصلها، كما بينا سابقًا في مقدمة العلة.
ولا صحة بوجوبه، كونه مكيلاً. فالكيل لا يصلح علة مطلقًا. فهو مضطرب، وغير منضبط ويناقض غالب قواعد صحة العلة.
ومن جعل الزكاة في المكيلات فقط فإنما عماده حديث النصاب، فهذا يعني أنه لا زكاة في زرع اليوم. وحديث النصاب هو ما رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، فقالوا: دل على الكيل اعتبار التوسيق، وهو معيار من معايير الكيل.
وأما الادخار فقالوا لأن النعمة لا تكتمل إلا فيما يُدخر، فنفعه باقٍ لمدة أطول ولعل هناك من حاج بعموم الحول، في وجوب كون الزرع مما يُدخر. وهذا كله خطأ.
فالوسق وسيلة قياس مجردة لا خاصية له في ذاته. وهو معلوم الوزن. فاليوم الوزن هو الغالب، فيقابل مقدار الوسق، وهو تقريبًا 130.5 كيلو جرام.
فتجب في الطماطم الزكاة حين حصادها، كالقمح والشعير، وهذا هو إتباع لمنطوق النص ولمضمونه.
والطماطم لا يُدخر ولا يصبر لأسبوع، إلا إن تُصنع. ولكن هذا لا يخرجه من عموم نص القرآن ونص السنة. فليس في حديث النصاب شاهد، كما سبق بيانه.
فليس في عدم جباية الرسول لزكاة الخضراوات شاهد، فليس هناك نهي ولا أمر. فالاحتماليات كثيرة وأهمها قلتها، وعدم بلوغها النصاب، وزهد أهل المدينة فيها. والغالب أنها كانت تنتج للاستهلاك الخاص ونحو ذلك، ولا تصل للنصاب المتمثل في خمسة أوسق أي نحو 130 كيلو جرام أو 60 صاعًا. فإنتاج خضراوات بهذا الحجم يحتاج مساحات كبيرة، وسقيا، فضلاً أنها أطعمة غير أساسية في حياة الشعوب. فلذا لم يكن لها إنتاج يصل كل بمفرده النصاب.
فماذا لو كانت الطماطم أو ما في حكمها هي أغلى وأنفس وأكثر منتج لبلد ما، وتتعلق به الأنفس وتتشوق إليه الأفئدة.. كما تعلقت الأنصار بالتمر. أيُترك صريح الوحي بالأمر بإخراج كل ما تنبت الأرض، ونتأول تأويلات لا تخلو من ضعف، وقصور، كعدم نقل أخذ الرسول لزكاة الخضراوات؟ وكم من تخريج ممكن واحتماليات كثيرة، فسبحان الله.