د. محمد بن إبراهيم الملحم
عند الحديث عن الجامعات ودورها نحو الطالب، يجب أن أشير بكل صراحة إلى جانب مهم؛ وهو أنه في جامعات معينة مشهورة وعرفت بإنجازات طلابها في التفوق الأكاديمي فإن ذلك «التفوق» ليس بالضرورة نتاج بيئتها الحاضنة بل ربما «سوطها اللاهب»، فصعوبة القبول فيها وطريقتها في الاختبارات وأسلوبها الضاغط كل ذلك يؤدي بطلابها إلى التفوق الأكاديمي «الكادح»، وإذا قال قائل إن هذا تصور خاطئ فتلك الجامعة (أو الجامعات!) يلزمها توضيح صورتها التي ربما لا يعلمها المجتمع عنها، ومع أني لست ضد مثل هذه الجامعات تماماً لكن لا ينبغي أن تكون مثالاً يحتذى للبناء الوطني العام، ربما أتعاطف مع من يقولون إنها مفيدة لنا لنفتخر بها وربما لنضمن مكاناً للنخب المتفوقة لدينا، بيد أننا لو تخيلنا لوهلة واحدة فقط أننا حولنا جميع جامعاتنا إلى مثلها لـ»ما نجح أحد»، وهذا لا يبني اقتصاداً قائماً على المعرفة، لذا يجب أن نعترف بأن حقيقة مثل هذه الجامعة والتي لم تتكيف مع متوسط مخرجات المجتمع لا تعدو أكثر من كونها مجرد جامعة نخبوية تصطفي المميزين من الطلاب فقط، وهذا النمط الذي لا يقوم عليه الاقتصاد الوطني ولا يلتقي مع واقع مجتمع بحجم المملكة تبقى منافعه في إطاره المرحلي المحدد، لنخلص أن الصورة المنشودة لجامعاتنا هي أن توفر لطلابها الجو العلمي الحاضن.. إذا كان يهمها أمر هؤلاء الطلاب.
أشرت سابقاً إلى أن الأستاذ الجامعي ينبغي أن يتميز بمهارات تدريسية عالية وتمكن جيد من فنون التدريس ليقدم المادة العلمية للطالب بطريقة مفهومة جداً وقابلة للهضم بسهولة، وتتزايد أهمية تحقق هذا المطلب في أساتذة طلاب السنة التحضيرية أكثر منه في طلاب السنوات التالية، فهنا يحتاج الطالب الجامعي إلى تهيئة من نوع خاص كمرحلة انتقالية إلى الحياة الجامعية، ومع ذلك نشاهد أن من يدرس في هذه السنة هم الأساتذة المستجدون وهو خطأ فادح لما فيهم غالباً من القصور الذي ربما لا يتحسن إلا بعد عدة سنوات وخلالها سيخلف ضحايا كثيرة جداً، المشكلة أيضاً أنه بعد أن يتحسن سينتقل غالباً إلى المستويات المتقدمة ليأتي بعده أستاذ مستجد آخر يتعلم التدريس على حساب الطالب المستجد وهكذا يستمر الطالب تحت وطأة هذه المتلازمة التي لن تشفى منها الجامعة أبداً، وهذه الممارسة هي أفضل طريقة للقضاء على طموح الطالب، حيث يبدأ حياته الجديدة إما مع أستاذ ضعيف علمياً أو تدريسياً أو أن يكون هذا الأستاذ المستجد يعاني من التصورات الخاطئة عن عملية التدريس الجامعي فيمارس ممارسات تعبث باستقرار الطالب واستيعابه للبيئة الجديدة مما قد يجعله يكره الدراسة الجامعية برمتها، وتصبح دوافعه نحو الدراسة هي مجرد الحفاظ على مستقبله وليس الاستجابة لشغفه العلمي فذلك يكون آخر عهده به (على الأقل كفكرة وهاجس) في المرحلة الثانوية، وهذا الدافع المادي البحت لا ينتج طلبة متفوقين أو لديهم طموح وطني في التفوق، لا أشك لحظة أن هناك أساتذة مستجدين يتميزون في تدريسهم ولكنما نعوّل في الحكم العام على الأغلبية المشاهدة ويعاضد ذلك حقيقة أن أي موظف جديد يكون في مرحلة أول «منحنى التعلم» والتي تعتورها حالات «التجربة والخطأ» كثيراً، كما أن إدراك المتغيرات البيئية والاجتماعية المؤثرة في تفاعلات الطالب-الأستاذ والطالب-المنهج لا يتفهمها الأستاذ الجامعي المستجد إلا بعد عدة سنوات من معايشة هذا الجو والتفاعل معه، ومن هنا ينبغي أن تُجنِّب الجامعة طلابها المستجدين أمثال هؤلاء الأساتذة ليبدأوا دراستهم الجامعية دون إحباطات محطمة.. طبعاً يكون هذا إذا كانت تلك الجامعات يهمها أمر طلابها.