د. خيرية السقاف
تُلمح الحقب القادمة بالتمادي في الكثرة, والاندماج, والتوسع, والتنوع, في كل شأن يتعلق بالحياة, والمسخرات للإنسان فيها, بل بكل ما يتعلق بالإنسان ذاته بأكثر, وأوسع مما وصلت إليه في هذه المرحلة من تاريخ الإنسان على الأرض بما وصل إليه من الفكرة والاكتشاف والإنجاز..
في هذا الملكوت يتلاهف الإنسان ركضاً, وسبقاً, ونماءً في العلم, وهو وسيلته لما يعرف, لما يكتشف, لما يصنع, لما يستهلك, لما يفكر فيه, ولما يتفاعل معه, تستجد بين يديه اكتشافات باهرة, لا تقف عند ثرى أرض يقف عليها, ويتحرك في مساحاتها, ويتعامل مع مخلوقاتها, بل يمتد به الطموح إلى فراغ ما حولها يخترقه فكرةً, وتجربةً, ومنجزا, في كل ذلك يُعمل عقله بقدراته, إمكاناته, ومخرجاته الفكرية ليصل إلى نتائجه التي يأمل أن تكون ذات نهايات حتمية.. هذا حدث مذ وطئ الإنسان الأرض, وبحث عن الزاد, والمأوى, وتطلع من ثم للتكيّف مع واقعه من أجل حياته, والقفز فيها بأحلامه نحو انتصاراته..
هذه الحقيقة بدهية, غير أن ما فيها ينم عن مكابرة الإنسان, فمع كل ما يحتويه الآن وقته من سعيه بكل ما بلغ من العلم والمعرفة, والإمكانات, والقدرات, والاكتشافات, والتسخير, والإنجاز, والاستخدام, والتطوير, والمزيد إلا أنه يقف عند حدٍّ غيبي معجزٍ تنحني له عصا كبريائه..
على سبيل الإشارة لهذا, هنا دراسة أخيرة توصلت لنتائج عكسية تتعلق بضعف قدرات الإنسان العقلية عند بلوغه السن المتقدمة, فحين كان يُقال له من خلال دراسات, ونصائح طبية, وتوجيهات نفسية, إنه بإمكانه أن يحد من ضعف هذه القدرات فيه, وبأن ممارساته اليومية للرياضة تساعده على تأخير الشيخوخة, وكذلك يفعل تعوده على الألعاب الذهنية كالكلمات المتقاطعة, وذات الألغاز, أو حتى القراءة اليومية, والتفكير المتأمل, وحل الأمور الشائكة ..
فإن هذه الدراسة توصلت «إلى أن ما يُسمى بـ»التدريب الذهني» من خلال تلك الممارسات ليس على كل حال يمكن أن يساعد «الأشخاص على القيام بمهامهم اليومية بشكل أفضل», كما لا يمكنه أن يمنع عنهم «الخرف»!!..
فنظرية «استخدمه وإلا فقدته» أي عقلك بالتدريب اليومي على الرياضة الذهنية كي لا تصل إلى الخرف قد نقضتها هذه الدراسة كما ذكر «ديفيد رينولدز» المدير العلمي لمعهد أبحاث الزهايمر في بريطانيا. ومعه أجمع الأطباء الذين قاموا بالدراسة على أن كل الإجراءات, والتطبيقات لتنشيط حيوية الذهن, وكبح الشيخوخة تغذية, وممارسة تفكير تفيد, لكنها لا تصد هجوم الشيخوخة بعقل الإنسان..
إن الخرف, والشيخوخة صوتان للطبيعة حين تحل بتكوين الإنسان, وهي المقدَّرة لكل امرئ بما في علم الغيب له!!..
أتخيل أن ركض البشر في هذه الحياة من أن حياة تدوم, فيه سباحة ضد تيار الطبيعة التي خلق الله عليها الإنسان, تلك التي تتفاوت بقدرة الله فيها, وقدره بين عقل يحتفظ بقواه حتى الأجل, وآخر يُصاب بضعف حتى ينسى, وآخر يبلغ به الكبر فلا يفقه من بعد علم علما..
غيبٌ إلهي, وحده الذي يصارع الإنسان في الحياة كي ينال منه ما ليس مكتوباً له,
لكنه لا يبلغ..!!